للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليا) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الزّجر عَن معاداة الْأَوْلِيَاء المستلزم لموالاتهم، وموالاة جَمِيع الْأَوْلِيَاء لَا تتأتى إلَاّ بغاية التَّوَاضُع، إِذْ فيهم الْأَشْعَث الأغبر الَّذِي لَا يؤبه لَهُ. انْتهى.

قلت: دلَالَة الإلتزام مهجورة، لِأَنَّهَا لَو كَانَت مُعْتَبرَة لزم أَن يكون للفظ الْوَاحِد مدلولات غير متناهية، وَيُقَال لهَذَا الْقَائِل: تُرِيدُ اللُّزُوم الْبَين أَو مُطلق اللُّزُوم؟ وأيّاماً كَانَ فدلالة الِالْتِزَام مهجورة، فَإِن أردْت اللُّزُوم الْبَين فَهُوَ يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص، فَلَا يكَاد ينصبط الْمَدْلُول، وَإِن أردْت مُطلق اللُّزُوم فاللوازم لَا تتناهى، فَيمْتَنع إِفَادَة اللَّفْظ إِيَّاهَا، فَلَا يَقع كَلَامه جَوَابا.

وَمُحَمّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الرَّاء الْعجلِيّ بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة الْكُوفِي مَاتَ بِبَغْدَاد سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من صغَار شُيُوخ البُخَارِيّ، وَقد شَاركهُ فِي كثير من مشايخه. مِنْهُم: خَالِد بن مخلد شَيْخه فِي هَذَا الحَدِيث فقد أخرج عَنهُ البُخَارِيّ بِغَيْر وَاسِطَة أَيْضا فِي: بَاب الِاسْتِعَاذَة من الْجُبْن فِي كتاب الدَّعْوَات. وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام البَجلِيّ، وَيُقَال الْقَطوَانِي الْكُوفِي مَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي محرم سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَسليمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ مَاتَ سنة سبع وَسبعين وَمِائَة، وَشريك بن عبد الله بن أبي نمر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور الْقرشِي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة. فَإِن قلت: خَالِد فِيهِ مقَال، فَعَن أَحْمد لَهُ مَنَاكِير، وَعَن أبي حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَأخرج ابْن عدي عشرَة أَحَادِيث من حَدِيثه استنكرها مِنْهَا حَدِيث الْبَاب، وَشريك أَيْضا فِيهِ مقَال، وَهُوَ رَاوِي حَدِيث الْمِعْرَاج الَّذِي زَاد فِيهِ وَنقص وَقدم وَأخر وَتفرد بأَشْيَاء لم يُتَابع عَلَيْهَا.

قلت: أما خَالِد فَعَن ابْن معِين: مَا بِهِ بَأْس، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: صَدُوق وَلكنه تشيع وَهُوَ عِنْدِي، إِن شَاءَ الله، لَا بَأْس بِهِ. وَأما شريك فَعَن يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث، وَعَطَاء هُوَ ابْن يسَار ضد الْيَمين وَوَقع فِي بعض النّسخ كَذَلِك، وَقيل: هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَالْأول أصح. والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (إِن الله قَالَ) هَذَا من الْأَحَادِيث الإلهية الَّتِي تسمى: القدسية، وَقد مر الْكَلَام فِيهَا عَن قريب، وَقد وَقع فِي بعض طرقه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حدث بِهِ عَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، عَن الله عز وَجل. قَوْله: (لي) ، صفة لقَوْله: وليا، لكنه لما قدم صَار حَالا. قَوْله: (وليا) ، الْوَلِيّ: هُوَ الْعَالم بِاللَّه المواظب على طَاعَته المخلص فِي عِبَادَته. فَإِن قلت: قَوْله: (عادى) من المعاداة وَهُوَ من بَاب المفاعلة الَّتِي تقع من الْجَانِبَيْنِ، وَمن شَأْن الْوَلِيّ الْحلم والاجتناب عَن المعاداة والصفح عَمَّن يجهل عَلَيْهِ.

قلت: أُجِيب بِأَن المعاداة لم تَنْحَصِر فِي الْخُصُومَة، والمعاداة الدُّنْيَوِيَّة مثلا، بل تقع عَن بغض ينشأ عَن التعصب: كالرافضي فِي بغضه لأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والمبتدع فِي بغضه للسني، فَتَقَع المعاداة من الْجَانِبَيْنِ، أما من جَانب الْوَلِيّ فللَّه، وَفِي الله وَأما من الْجَانِب الآخر فَظَاهر. انْتهى.

قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف، فَإِذا قُلْنَا: إِن فَاعل يَأْتِي بِمَعْنى فعل كَمَا فِي قَوْله عز وَجل: {وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} (آل عمرَان: ٣٣١) بِمَعْنى: اسرعوا يحصل الْجَواب. قَوْله: (فقد آذنته) بِالْمدِّ وَفتح الْمُعْجَمَة بعد هانون أَي: أعلمته من الإيذان، وَهُوَ الْإِعْلَام. قَوْله: (بِالْحَرْبِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِحَرب، وَوَقع فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: (من عادى لي والياً فقد اسْتحلَّ محاربتي) وَفِي حَدِيث معَاذ: (فقد بارز الله بالمحاربة) ، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة وَأنس: (فقد بارزني) . فَإِن قيل: الْمُحَاربَة من الْجَانِبَيْنِ والمخلوق فِي أسر الْخَالِق؟ قيل لَهُ: أطلق الْحَرْب وَأَرَادَ لَازمه، أَي: أعمل بِهِ مَا يعمله الْعَدو الْمُحَارب. قَوْله: (أحب) بِالرَّفْع وَالنّصب، قَالَه الْكرْمَانِي.

قلت: وَجه الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ أحب، وَوجه النصب وَالْمرَاد بِهِ الْفَتْح صفة لقَوْله: (بِشَيْء) فَيكون مَفْتُوحًا فِي مَوضِع الْجَرّ وَيدخل فِي قَوْله: (مِمَّا افترضت عَلَيْهِ) جَمِيع الْفَرَائِض فَرَائض الْعين وفرائض الْكِفَايَة. قَوْله: (وَمَا يزَال) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَمَا زَالَ، بِصِيغَة الْمَاضِي. قَوْله: (يتَقرَّب إِلَيّ) ، بتَشْديد الْيَاء، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة: يتحبب، والتقرب طلب الْقرب، وَقَالَ الْقشيرِي: قرب العَبْد من ربه يَقع أَولا بإيمانه ثمَّ بإحسانه، وَقرب الرب من عَبده مَا يَخُصُّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا من عرفانه، وَفِي الْآخِرَة من رضوانه، وَفِيمَا بَين ذَلِك من وُجُوه لطفه وامتنانه، وَلَا يتم قرب العَبْد من الْحق إلَاّ ببعده من الْخلق. قَالَ: وَقرب الرب بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة عَام للنَّاس، وباللطف والنصرة خَاص بالخواص، وبالتأنيس خَاص بالأولياء. قَوْله: (بالنوافل) ، المُرَاد بهَا: مَا كَانَت حاوية للفرائض مُشْتَمِلَة عَلَيْهَا ومكملة لَهَا، وَلَيْسَ المُرَاد كَون النَّوَافِل مُطلقًا. قَوْله: (أحبه) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَتَّى أحببته. قَوْله: (كنت

<<  <  ج: ص:  >  >>