ايسترقون) أَي: بالأمور الَّتِي هِيَ غير الْقُرْآن كعزائم أهل الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أَي: لَا يتشاءمون بالطيور وَأَنَّهُمْ الَّذين يتركون أَعمال الْجَاهِلِيَّة وعقائدهم، قيل: هم أَكثر من هَذَا الْعدَد، وَأجِيب: الله أعلم بذلك مَعَ احْتِمَال أَن يُرَاد بالسبعين الْكثير، وَقَالَ بَعضهم: إِن الْعدَد الْمَذْكُور على ظَاهره. وقوّي كَلَامه بِأَحَادِيث مِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة رَفعه: وَعَدَني رَبِّي أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَلَا عَذَاب، وَثَلَاث حثيات من حثيات رَبِّي.
قلت: احْتِمَال الزِّيَادَة فِي السّبْعين بَاقٍ، لِأَن المُرَاد مِنْهُ لَيْسَ خُصُوص الْعدَد، والحثيات كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة. قَالَه ابْن الْأَثِير: قَوْله: (رجل آخر) قيل: هُوَ سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ سيد الْخَزْرَج.
قلت: أخرجه الْخَطِيب فِي (المبهمات) : من طَرِيق أبي حُذَيْفَة إِسْحَاق بن بشر أحد الضُّعَفَاء، وَقيل: يستبعد هَذَا السُّؤَال من سعد بن عبَادَة فَلَعَلَّ هَذَا سعد بن عمَارَة الْأنْصَارِيّ وصحفه النَّاقِل. قَوْله: (سَبَقَك بهَا عكاشة) اخْتلفُوا فِي الْحِكْمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِهَذَا القَوْل، فَقَالَ الْفراء: كَانَ الآخر منافقاً، ورد هَذَا بِأَن الأَصْل فِي الصَّحَابَة عدم النِّفَاق، وَقيل: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، علم بِالْوَحْي أَنه يُجَاب فِي عكاشة وَلم يَقع ذَلِك فِي حق الآخر، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يظْهر لي الأول سَأَلَ عَن صدق قلب فَأُجِيب، وَأما الثَّانِي فَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ حسم الْمَادَّة، فَلَو قَالَ للثَّانِي: نعم، فَلَا شكّ أَن يقوم ثَالِث ورابع إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، وَلَيْسَ كل النَّاس يصلح لذَلِك، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يكن عِنْد الثَّانِي من تِلْكَ الْأَحْوَال مَا كَانَ عِنْد عكاشة، فَلذَلِك لم يجب. وَقَالَ السُّهيْلي: الَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهَا كَانَت سَاعَة إِجَابَة علمهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاتفقَ أَن الرجل قَالَ بَعْدَمَا انْقَضتْ، وَالله أعلم.
٢٤٥٦ - حدّثنا مُعاذُ بنُ أسَدٍ أخبرنَا عبدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني سَعيدُ بنُ المُسَيَّب أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدَّثهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (يَدْخُلُ الجَنَّة مِنْ أُمَّتى زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ ألْفاً تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إضاءَةَ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ) .
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فقامَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنِ الأسَدِيُّ، يَرْفَعُ نَمِرَةً عليْهِ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله {ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعلْهُ مِنْهُمْ) ثُمَّ قامَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، فَقَالَ: يَا رَسولَ الله} ادْعُ الله أنْ يَجْعَلني عَنْهمْ. فَقَالَ: (سَبَقَكَ بهَا عُكَاشَةُ) . (انْظُر الحَدِيث ١١٨٥) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومعاذ بِضَم الْمِيم ابْن أَسد أَبُو عبد الله الْمروزِي نزل الْبَصْرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حَرْمَلَة عَن يحيى.
قَوْله: (نمرة) هِيَ كسَاء فِيهِ خطوط بيض وسود كَأَنَّهَا أخذت من جلد النمر.
٣٤٥٦ - حدّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لِيَدْخُلَنَّ الجَنَةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفاً) أَو سَبْعُمائَةِ ألْفٍ شَكَّ فِي أحَدِهِما (مِتَماسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حتَّى يَدْخُلَ أوَّلُهُمْ وآخرُهُمُ الجَنَّةَ وَوُجُوهُمْ عَلى ضوْءٍ القمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ) . (انْظُر الحَدِيث ٧٤٢٣ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي صفة الْجنَّة.
قَوْله: (شكّ فِي أَحدهمَا) وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن أبي حَازِم: لَا يدْرِي أَبُو حَازِم أَيهمَا قَالَ. قَوْله: (متماسكين) نصب على الْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: متماسكون، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هم متماسكون. وَقَالَ النَّوَوِيّ: كَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا بِالنّصب فكلاهما صَحِيح. قَوْله: (آخذ بَعضهم بِبَعْض) أَي: بَعضهم آخذ بِبَعْض وآخذ بِالْمدِّ وَكسر الْخَاء وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَخذ بَعضهم بَعْضًا. قَوْله: (حَتَّى يدْخل أَوَّلهمْ وَآخرهمْ الْجنَّة) هَذَا غَايَة للتماسك الْمَذْكُور، وَالْأَخْذ بِالْأَيْدِي وَفِي رِوَايَة فُضَيْل بن سُلَيْمَان الَّتِي مَضَت فِي: بَاب صفة الْجنَّة: لَا يدْخل أَوَّلهمْ حَتَّى يدْخل آخِرهم.