قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عذَابا يَوْمَ القِيامَةِ رَجُلٌ عَلى أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِماغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ والقُمْقُمُ) . (انْظُر الحَدِيث ١٦٥٦) [/ ح.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن رَجَاء عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَمْرو السبيعِي. وَإِسْرَائِيل هَذَا يروي عَن جده أبي إِسْحَاق، وَهَذَا السَّنَد أَعلَى من السَّنَد الأول لَكِن أَبَا إِسْحَاق عَن هُنَا وَهُنَاكَ صرح بِالسَّمَاعِ.
قَوْله: (الْمرجل) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْجِيم قدر من نُحَاس، والقمقم بِضَم القافين الْآتِيَة من الزّجاج قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: فِيهِ تَأمل لِأَن الحَدِيث يدل على أَنه إِنَاء يغلي فِيهِ المَاء أَو غَيره. والإناء الزّجاج كَيفَ يغلي فِيهَا المَاء؟ وَقَالَ غَيره: هُوَ إِنَاء ضيق الرَّأْس يسخن فِيهِ المَاء يكون من نُحَاس وَغَيره، وَهُوَ فَارسي، وَقيل: رومي مُعرب، ثمَّ إِن عطف القمقم على الْمرجل بِالْوَاو هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: والقمقم بِالْوَاو لَا بِالْبَاء وَأَشَارَ بِهِ إِلَى رِوَايَة من روى: كَمَا يغلي الْمرجل بالقمقم، وعَلى هَذَا فسره الْكرْمَانِي، فَقَالَ: الْبَاء للتعدية، وَوجه التَّشْبِيه هُوَ كَمَا أَن النَّار تغلي الْمرجل الَّذِي فِي رَأسه قمقم تسري الْحَرَارَة إِلَيْهَا وتؤثر فِيهَا، كَذَلِك النَّار تغلي بدن الْإِنْسَان بِحَيْثُ يُؤَدِّي أَثَرهَا إِلَى الدِّمَاغ.
٣٦٥٦ - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ وَعَن خَيْثَمَة عنْ عَدِيِّ بنِ حاتمٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكَرَ النَّارَ، فأشاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْها. ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فأشاحَ بِوجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْها، ثُمَّ قَالَ: (اتَّقُوا النَّارَ ولَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وتعوذ مِنْهَا) ، وَذَلِكَ أَن من جملَة صِفَات النَّار أَنه يتَعَوَّذ مِنْهَا.
وَعَمْرو هُوَ ابْن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، وخيثمة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث مضى مُعَلّقا فِي: بَاب من نُوقِشَ الْحساب عذب، عَن الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن عَن خَيْثَمَة عَن عدي بن حَاتِم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فأشاح) بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة أَي: صرف وَجهه، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المشيح الحذر والحاد فِي الْأَمر، وَقيل: الْمقبل إِلَيْك الْمَانِع لما وَرَاء ظَهره، فَيجوز أَن يكون: أشاح، هُنَا أحد هَذِه الْمعَانِي، أَي: حذر النَّار كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا، أَو حض على الْإِيصَاء باتقائها، أَو أقبل إِلَيْك من خطابه.
٤٦٥٦ - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدّثنا ابنُ أبي حازِمٍ والدَّراوَرْدِيُّ عنْ يَزيدَ عنْ عَبْد الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ، أنّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبُو طالبٍ، فَقَالَ: (لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفاعَتَي يَوْمَ القِيامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضاحِ مِنَ نارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِماغِهِ) . (انْظُر الحَدِيث ٥٨٨٣) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فِي ضحضاح من نَار) لِأَنَّهُ وصف من أَوْصَاف النَّار.
وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي، وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَسْلَمِيّ، والدراوردي أَيْضا اسْمه عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبيد من رجال مُسلم روى البُخَارِيّ عَن إِبْرَاهِيم عَنهُ مَقْرُونا بِابْن أبي حَازِم وَنسبه إِلَى دراورد فتح الدَّال قَرْيَة من قرى خُرَاسَان، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن الْهَاد، وَعبد الله بن خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى الْأنْصَارِيّ، وكل هَؤُلَاءِ مدنيون.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب قصَّة أبي طَالب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن ابْن الْهَاد عَن عبد الله بن خباب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ... إِلَى آخِره. وَأخرجه أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن ابْن أبي حَازِم والدراوردي عَن يزِيد بِهَذَا.
قَوْله: (أَبُو طَالب) هُوَ ابْن عبد الْمطلب وَعم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واسْمه عبد منَاف شَقِيق عبد الله وَالِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: