هَذَا السُّؤَال، غير وَارِد أصلا، لِأَن هَذَا التَّعْلِيق، وَهُوَ قَوْله: وَقَالَ عُرْوَة ... قد أخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا، وَبَين فِيهِ أَن المُرَاد من قَوْله: وَغَيره هُوَ مَرْوَان، كَمَا ذَكرْنَاهُ، فَإِذا سقط السُّؤَال فَلَا يحْتَاج إِلَى الْجَواب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ثَانِيًا: فَإِن قلت: هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ أم لَا؟ قلت: هُوَ عطف على مقول ابْن شهَاب اي: قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي مَحْمُود وَقَالَ عُرْوَة، أَقُول: نعم، هَذَا تَعْلِيق وَصله فِي كِتَابه كَمَا ذكرنَا وَلَيْسَ هُوَ عطفا على مقول ابْن شهَاب. وَقَالَ ثَالِثا: قَوْله مِنْهُمَا أَي: من مَحْمُود والمسور، أَي: مَحْمُود يصدق مسوراً، ومسور يصدق مَحْمُودًا. أَقُول: لَيْسَ كَذَلِك، بل الْمَعْنى أَن الْمسور يصدق مَرْوَان بن الحكم، ومروان يصدق مسوراً. وَقَالَ رَابِعا: وَلَفظ يصدق، هُوَ كَلَام ابْن شهَاب أَيْضا، ومقول كل وَاحِد مِنْهُمَا هُوَ لفظ: وَإِذا تَوَضَّأ. أَقُول: لفظ: وَإِذا تَوَضَّأ، لَيْسَ مقول كل وَاحِد مِنْهُمَا، بل مقول عُرْوَة بن مَسْعُود، لِأَنَّهُ هُوَ الْقَائِل بذلك والحاكي بِهِ عِنْد مُشْركي مَكَّة، وَذكر أَبُو الْفضل بن طَاهِر أَن هَذَا الحَدِيث مَعْلُول، وَذَلِكَ أَن الْمسور ومروان لم يدركا هَذِه الْقِصَّة الَّتِي كَانَت بِالْحُدَيْبِية سنة سِتّ لِأَن مولدهما كَانَ بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ، وعَلى ذَلِك اتّفق المؤرخون. وَأما مَا فِي (صَحِيح مُسلم) عَن الْمسور قَالَ: (سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب النَّاس على هَذَا الْمِنْبَر وَأَنا يَوْمئِذٍ محتلم) ، فَيحْتَاج إِلَى تَأْوِيل لغَوِيّ أَنه كَانَ يعقل لَا الِاحْتِلَام الشَّرْعِيّ، أَو أَنه كَانَ سميناً غير مهزول فِيمَا ذكره الْقُرْطُبِيّ. وَقَالَ صَاحب (الْأَفْعَال) : حلم حلماً إِذا عقل. وَقَالَ غَيره: تحلم الْغُلَام صَار سميناً، وَهُوَ مَعْدُود فِي صغَار الصَّحَابَة، مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ.
١٩٠ - حدّثنا عَبْد الرَّحْمنِ بنُ يُونُسَ قالَ حدّثنا حاتِمُ بنُ إسْماعِيلَ عَنِ الجَعْدِ قالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بن يَزِيدَ يَقُولُ ذَهَبَتْ بِي خالَتِي إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَتْ يَا رسولَ اللَّهِ إنَّ ابنَ اُخْتِي وَجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعا لي بالْبَرَكَةِ ثُمَّ تَوَضَأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلفَ ظَهْرِهِ فَنظَرْتُ إِلَى خاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة إِن كَانَ المُرَاد من قَوْله: (فَشَرِبت من وضوئِهِ) المَاء الَّذِي يتقاطر من أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَة، وَإِن كَانَ المُرَاد: من فضل وضوئِهِ، فَلَا مُطَابقَة. وَوَقع للمستملي على رَأس هَذَا الحَدِيث لَفظه: بَاب، بِلَا تَرْجَمَة. وَعند الْأَكْثَرين وَقع بِلَا فصل بَينه وَبَين الَّذِي قبله.
بَيَان رِجَاله وهم اربعة. الأول: عبد الرَّحْمَن بن يُونُس أَبُو مُسلم الْبَغْدَادِيّ الْمُسْتَمْلِي اُحْدُ الْحفاظ، استملى لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَغَيره، مَاتَ فَجْأَة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: حَاتِم بن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، نزل الْمَدِينَة وَمَات بهَا سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة، فِي خلَافَة هَارُون. الثَّالِث: الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن أَوْس الْمدنِي الْكِنْدِيّ، وَالْمَشْهُور أَنه يُقَال لَهُ: الجعيد، بِالتَّصْغِيرِ. الرَّابِع: السَّائِب اسْم فَاعل من السَّبَب، بِالْمُهْمَلَةِ وبالياء آخر الْحُرُوف بعْدهَا الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْكِنْدِيّ. قَالَ: حج بِي أبي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع وَأَنا ابْن سبع سِنِين، رُوِيَ لَهُ خَمْسَة أَحَادِيث، وَالْبُخَارِيّ أخرجهَا كلهَا، توفّي بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَتِسْعين.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة وَالسَّمَاع. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي وكوفي ومدني. وَمِنْهَا: أَن الرِّوَايَة فِيهِ من صغَار الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، وَفِي الطِّبّ عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة، وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة وهناد عَن عبد الرَّحْمَن، أربعتهم عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن الْفضل بن مُوسَى. وَأخرجه مُسلم فِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن عباد، كِلَاهُمَا عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة بِهِ وَقَالَ حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة بِهِ.
بَيَان اللُّغَات قَوْله: (ذهبت بِهِ) ، وَالْفرق بَينه وَبَين: أذهبه أزاله وَجعله ذَاهِبًا. وَمعنى ذهب بِهِ: استصحبه وَمضى بِهِ مَعَه. قَوْله: (وَقع) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْقَاف وبالتنوين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَأبي ذَر الْهَرَوِيّ وَقع بِفَتْح الْقَاف على لفظ الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (وجع) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْجِيم، وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ، وَمعنى: وَقع، بِكَسْر الْقَاف: أَصَابَهُ وجع فِي قَدَمَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute