ليتناول الْكل. قَوْله: أَو يقْتَصّ مِنْهُم كلهم يَعْنِي إِذا قتل أَو جرح جمَاعَة شخصا وَاحِدًا هَل يجب الْقصاص على الْجَمِيع أَو يتَعَيَّن وَاحِد ليقتص مِنْهُ؟ وَلم يذكر الْجَواب اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب، ولمكان الِاخْتِلَاف فِيهِ، فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه قَالَ، فِي الرجل يقْتله الرّجلَانِ: يقتل أَحدهمَا، وَيُؤْخَذ الدِّيَة من الآخر. وَقَالَ الشّعبِيّ، فِي الرجل يقْتله النَّفر: يدْفع إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول فيقتلون من شاؤوا ويعفون عَمَّن شاؤوا، وَنَحْوه عَن ابْن الْمسيب وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم.
وَمذهب جُمْهُور الْعلمَاء أَن جمَاعَة إِذا قتلوا وَاحِدًا قتلوا بِهِ أجمع، وَرُوِيَ نَحوه عَن عَليّ والمغيرة بن شُعْبَة وَعَطَاء، وَرُوِيَ عَن عبد الله بن الزبير ومعاذ: أَن لوَلِيّ الْقَتِيل أَن يقتل وَاحِدًا من الْجَمَاعَة وَيَأْخُذ بَقِيَّة الدِّيَة من البَاقِينَ، مثل أَن يقْتله عشرَة أنفس فَلهُ أَن يقتل وَاحِدًا مِنْهُم وَيَأْخُذ من التِّسْعَة تِسْعَة أعشار الدِّيَة، وَبِه قَالَ ابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ، وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: لَا قَود على وَاحِد مِنْهُم أصلا وَعَلَيْهِم الدِّيَة، وَبِه، قَالَ ربيعَة، وَهُوَ خلاف مَا أَجمعت عَلَيْهِ الصَّحَابَة.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ عنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدا عَلى رَجُل أنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ عَليٌّ، ثُمَّ جَاءَا بِآخَرَ وَقَالا: أخْطَأْنا، فأبْطَلَ شَهَادَتْهما وأُخِذا بِدِيَةِ الأوَّلِ، وَقَالَ: لوْ عَلِمْتُ أنَّكُما تَعَمَّدْتُما لَقَطعْتُكُما.
مطرف بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من التطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَالرَّاء ابْن طريف بِفَتْح الطَّاء وَكسر الرَّاء، يروي عَن عَامر الشّعبِيّ.
قَوْله: شَهدا على رجل كَانَت الشَّهَادَة عِنْد عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَن الرجل الْمَذْكُور سرق، فَقَطعه عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. لثُبُوت سَرقته عِنْده بِشَهَادَة هذَيْن الِاثْنَيْنِ قَوْله: ثمَّ جَاءَا بآخر بِلَفْظ التَّثْنِيَة أَي: ثمَّ جَاءَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عِنْد عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِرَجُل آخر، وَقَالا: أَخْطَأنَا فِي ذَلِك، وَكَانَ السَّارِق هَذَا لَا ذَاك. قَوْله: فَأبْطل أَي: عَليّ شَهَادَتهمَا هَذِه الَّتِي وَقعت على الرجل الثَّانِي لِكَوْنِهِمَا صَارا متهمين. قَوْله: وأخذا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: وَأخذ الشَّاهِدَانِ الْمَذْكُورَان بدية الأول أَي: الرجل الأول الَّذِي قطعت يَده، ويروى: وَأخذ بِالْإِفْرَادِ على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: وَأَخذهمَا عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بدية الرجل الأول. قَوْله: وَقَالَ أَي: عَليّ: لَو علمت أنكما تعمدتما أَي: فِي شهادتكهما لقطعتكما لِأَنَّهُمَا قد أقرا بالْخَطَأ فِيهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أحد مشايخه عَن مطرف الْمَذْكُور. وَفِي التَّلْوِيح رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن بنْدَار عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَنهُ.
٦٨٩٦ - وَقَالَ لِي ابنُ بَشَّارٍ: حدّثنا يَحْياى، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ غُلاماً قُتِلَ غيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: لَوِ اشْتَرَكَ فِيها أهْلُ صَنْعاءَ لَقَتَلْتُهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وبالراء وَهُوَ مُحَمَّد بن بشار الْمَعْرُوف ببندار، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
وَهَذَا الْأَثر مَوْصُول إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِسَنَد صَحِيح، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قتل سَبْعَة من أهل صنعاء بِرَجُل، وَقَالَ: لَو اشْترك فِيهِ أهل صنعاء لقتلتهم. قَوْله: قتل على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: غيلَة بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَي: غَفلَة وخديعة. قَوْله: فِيهَا أَي: فِي هَذِه الفعلة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيهِ، وَهُوَ أوجه. قَوْله: أهل صنعاء بِالْمدِّ بَلْدَة بِالْيمن، وَهَذَا الْأَثر حجَّة لِلْجُمْهُورِ على أَن الْجمع يقتل بِوَاحِد، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح كَأَن البُخَارِيّ أَرَادَ بأثر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الرَّد على مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: فِي الرجل يقْتله الرّجلَانِ يقتل أَحدهمَا وَيُؤْخَذ الدِّيَة من الآخر، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَقَالَ مُغيرَةُ بنُ حَكِيمٍ عنْ أبِيهِ: إنَّ أرْبَعةَ قَتَلُوا صَبِيّاً، فَقَالَ عُمَرُ ... مِثْلَهُ.
مُغيرَة بن حَكِيم الصَّنْعَانِيّ الْأَنْبَارِي، وَثَّقَهُ يحيى وَالْعجلِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان، وروى لَهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وأثره هَذَا مُخْتَصر من الْأَثر الَّذِي وَصله عبد الله بن وهب وَمن طَرِيقه قَاسم بن إصبغ والطَّحَاوِي