الأَرْض أَي: لَا نقدر على الْخُرُوج من الْبَلَد وَلَا الذّهاب فِي الأَرْض {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الَاْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} الْآيَة وَقَالَ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ إِلَى سَمُرَة بن جُنْدُب: أما بعد، قَالَ رَسُول الله من جَاءَ مَعَ الْمُشرك وَسكن مَعَه فَإِنَّهُ مثله. قَوْله: {إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} الْآيَة، عذر من الله عز وَجل لهَؤُلَاء فِي ترك الْهِجْرَة وَذَلِكَ لأَنهم لَا يقدرُونَ على التَّخَلُّص من أَيدي الْمُشْركين، وَلَو قدرُوا مَا عرفُوا يسلكون الطَّرِيق، وَلِهَذَا قَالَ: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} وَقَالَ عِكْرِمَة: يَعْنِي نهوضاً إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ السّديّ: يَعْنِي مَالا، وَقَالَ الضَّحَّاك: يَعْنِي طَرِيقا. قَوْله: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} أَي: يتَجَاوَز عَنْهُم تَركهم الْهِجْرَة، وَعَسَى من الله مُوجبَة. قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} أَي: فِي الْجِهَاد. قَوْله: {الْمُسْتَضْعَفِينَ} أَي: وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ أَي: فِي استنقاذهم. قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} كلمة: من، بَيَانِيَّة قَوْله: من هَذِه الْقرْيَة، يَعْنِي: مَكَّة ووصفها بقوله: {الظَّالِم أَهلهَا} قَوْله: {وليا} أَي: ناصراً.
فَعَذَرَ الله المُسْتَضْعَفِينَ الّذينَ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أمَرَ الله بِهِ، والمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إلَاّ مُسْتَضْعَفاً غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِر بِهِ.
قَوْله: فعذر الله أَي: جعلهم معذورين. قَوْله: غير مُمْتَنع غَرَضه أَن المستضعف لَا يقدر على الِامْتِنَاع من الْفِعْل فَهُوَ فَاعل لأمر الْمُكْره. فَهُوَ مَعْذُور.
وَقَالَ الحَسَنُ التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: التقية ثَابِتَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، لم تكن مُخْتَصَّة بعصره وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن وَكِيع عَن قَتَادَة عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس فِيمَن يكرههُ اللُّصُوص على طَلَاق امْرَأَته فيطلق امْرَأَته، قَوْله: لَيْسَ بِشَيْء، أَي: لَا يَقع طَلَاقه، وَهَذَا كَأَنَّهُ مَبْنِيّ على أَن الْإِكْرَاه يتَحَقَّق من كل قَادر عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا إِكْرَاه إلَاّ من سُلْطَان وَأثر ابْن عَبَّاس أخرجه عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى طَلَاق الْمُكْره شَيْئا، وَذكر ابْن وهب عَن عمر بن الْخطاب وَعلي وَابْن عَبَّاس أَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ طَلَاقه شَيْئا، وَذكره ابْن الْمُنْذر عَن ابْن الزبير وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحسن وَشُرَيْح وَالقَاسِم وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وأجازت طَائِفَة طَلَاقه، رُوِيَ ذَلِك عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَأبي قلَابَة وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين.
وبِهِ قَالَ ابنُ عُمَرَ وابنُ الزُّبَيْرِ والشَّعْبِيُّ والحَسَنُ.
أَي: وَبقول ابْن عَبَّاس قَالَ عبد الله بن عمر وَعبد الله بن الزبير وعامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَعَن الشّعبِيّ إِن أكرهه اللُّصُوص فَلَيْسَ بِطَلَاق، وَإِن أكرهه السُّلْطَان فَهُوَ طَلَاق. قلت: هُوَ مَذْهَب أَبُو حنيفَة. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأعْمالُ بِالنِّيَّةِ
هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أول الْكتاب مطولا مَوْصُولا، وَقد بَينا هُنَاكَ اخْتِلَاف لفظ الْعَمَل ثمَّ وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا الْإِشَارَة إِلَى الرَّد على من فرق فِي الْإِكْرَاه بَين القَوْل وَالْفِعْل وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة، فَإِنَّهُم فرقوا بَينهمَا. قَالَ ابْن حزم: الْإِكْرَاه قِسْمَانِ: إِكْرَاه على كَلَام، وإكراه على فعل. فَالْأول لَا يجب بِهِ شَيْء: كالكفر وَالْقَذْف وَالْإِقْرَار بِالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَة وَالطَّلَاق وَالْبيع والابتياع وَالنُّذُور والأيمان وَالْعِتْق وَالْهِبَة وَغير ذَلِك. وَالثَّانِي: على قسمَيْنِ: