غير الصَّالِحين تَحت تحكم الشَّيْطَان عَلَيْهِم فِي النّوم مثل تحكمه عَلَيْهِم فِي الْيَقَظَة فِي أغلب أُمُورهم، وَإِن كَانَ قد يجوز مِنْهُم الصدْق فِي الْيَقَظَة فَكَذَلِك يكون فِي رؤياهم صدق أَيْضا.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على الصَّالِحين، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان قَوْله، عز وَجل: {لقد صدق الله} لآيَة وسيقت هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة. وَأخرج عبد بن حميد والطبري من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة قَالَ: أرِي النَّبِي وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية أَنه دخل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه مُحَلِّقِينَ، فَلَمَّا نحر الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية قَالَ أَصْحَابه: أَيْن رُؤْيَاك؟ فَنزلت. وَقَوله: {فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا} قَالَ: النَّحْر بِالْحُدَيْبِية، فَرَجَعُوا ففتحوا خَيْبَر، وَالْمرَاد بِالْفَتْح فتح خَيْبَر، قَالَ: ثمَّ اعْتَمر بعد ذَلِك فَكَانَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي السّنة الْقَابِلَة، وَكَانَت الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ، وَفِي قَوْله: إِن شَاءَ الله أَقْوَال. فَقيل: هَل هُوَ مِمَّا خُوطِبَ الْعباد أَن يقولوه مثل: الْآيَة وَالِاسْتِثْنَاء لمن مَاتَ مِنْهُم قبل ذَلِك أَو قتل، أَو هُوَ حِكَايَة لما قيل لرَسُول الله فِي مَنَامه.
٦٩٨٣ - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة، عنْ مالِكٍ، عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله قَالَ: الرُّؤْيا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُبُوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن هِشَام بن عمار.
قَوْله: الْحَسَنَة هِيَ إِمَّا بِاعْتِبَار حسن ظَاهرهَا أَو حسن تَأْوِيلهَا، وقسموا الرُّؤْيَا إِلَى الْحَسَنَة ظَاهرا وَبَاطنا كالتكلم مَعَ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، أَو ظَاهرا لَا بَاطِنا كسماع الملاهي، وَإِلَى رَدِيئَة ظَاهرا وَبَاطنا كلدغ الْحَيَّة، أَو ظَاهرا لَا بَاطِنا كذبح الْوَلَد. قَوْله: من الرجل ذكر للْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ فَإِن الْمَرْأَة الصَّالِحَة كَذَلِك، قَالَه ابْن عبد الْبر. قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: من النُّبُوَّة أَي: فِي حق الْأَنْبِيَاء دون غَيرهم وَكَانَ الْأَنْبِيَاء يُوحى إِلَيْهِم فِي منامهم كَمَا يُوحى إِلَيْهِم فِي الْيَقَظَة، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن الرُّؤْيَا تَأتي على مُوَافقَة النُّبُوَّة لَا أَنَّهَا جُزْء باقٍ من النُّبُوَّة. وَقَالَ الزّجاج: تَأْوِيل قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة أَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، يخبرون بِمَا سَيكون والرؤيا تدل على مَا يكون. وَقَالَ الْخطابِيّ نَاقِلا عَن بَعضهم مَا ملخصه: إِن أول مَا بدىء بِهِ الْوَحْي إِلَى أَن توفّي ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة أَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة وبالمدينة عشرا وَكَانَ يُوحى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فِي أول الْأَمر بِمَكَّة سِتَّة أشهر وَهِي نصف سنة فَصَارَت، هَذِه الْمدَّة جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة بنسبتها من الْوَحْي فِي الْمَنَام، ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا هُوَ الَّذِي وَقع فِي أَكثر الْأَحَادِيث، وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث ابْن عمر جُزْء من سبعين جُزْءا، وَكَذَا أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ من وَجه آخر مَرْفُوعا. وللطبراني من وَجه آخر عَنهُ: من سِتَّة وَسبعين. وَسَنَده ضَعِيف. وَأخرجه ابْن عبد الْبر من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا: جُزْء من سِتَّة وَعشْرين، وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى حَدِيثا فِي هَذَا الْبَاب، وَفِيه: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي سَمِعت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الْمُؤمن جُزْء من خمسين جُزْءا من النُّبُوَّة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ والطبري من حَدِيث أبي ذَر بن الْعقيلِيّ: جُزْء من أَرْبَعِينَ. وَأخرجه الطَّبَرِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس: أَرْبَعِينَ. وَأخرج الطَّبَرِيّ أَيْضا من حَدِيث عبَادَة: جُزْء من أَرْبَعَة وَأَرْبَعين. وَأخرج أَيْضا أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: جُزْء من تِسْعَة وَأَرْبَعين. وَذكر الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم بِلَفْظ: سَبْعَة، بِتَقْدِيم السِّين فحصلت من هَذِه عشرَة أوجه. وَوَقع فِي شرح النَّوَوِيّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute