الْهمزَة الساكنة، عَلامَة للجزم. وَالْآخر: حذفهَا. تَقول: لم يتوضَّ، كَمَا تَقول: لم يخشَ، بِحَذْف الْألف، وَالْأول هُوَ الْأَشْهر. وَقَالَ بعض الشَّارِحين: يجوز فِي: (لم يتَوَضَّأ) رِوَايَتَانِ. قلت: لَا يُقَال فِي مثل هَذَا رِوَايَتَانِ، بل يُقَال: وَجْهَان، أَو لُغَتَانِ، أَو طَرِيقَانِ، أَو نَحْو ذَلِك.
٢٠٩ - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرنا مالِكٌ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشيْرِ بنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حارِثَةَ أنّ سُوَيْدَ بن النُّعْمانِ أخْبرَهُ أنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَرَ حتَّى إذَا كانُوا بالصَّهْبَاءِ وَهْيَ أدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَعا بِالَازْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إلَاّ بِالسَّوِيق فأمرَ بِهِ فَتُرِّي فَأكَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأكلْنَا ثُمَّ قامَ إلَى المَغْرِبِ فمَضْمَضَ ومَضْمَضْنَا ثُمَّ صلي ولَمْ يَتَوَضَّأ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الثَّلَاثَة الأُول تكَرر ذكرهم، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَبشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن يسَار بِفَتْح، الْيَاء آخر الْحُرُوف: كَانَ شَيخا كَبِيرا فَقِيها فَقِيها أدْرك عَامَّة الصَّحَابَة، وسُويد بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو سُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن النُّعْمَان، بِضَم النُّون: الْأنْصَارِيّ الأوسي الْمدنِي من أَصْحَاب بيعَة الرضْوَان، رُوِيَ لَهُ سَبْعَة أَحَادِيث للْبُخَارِيّ مِنْهَا حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ هَذَا الحَدِيث.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع، والإخبار كَذَلِك والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون إلَاّ شيخ البُخَارِيّ. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، كِلَاهُمَا من أكَابِر التَّابِعين. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم أَئِمَّة أجلاء فُقَهَاء كبار.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي سَبْعَة مَوَاضِع من الْكتاب فِي الطَّهَارَة فِي موضِعين، وَفِي أَحدهمَا عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الآخر عَن خَالِد بن مخلد، وَأخرجه فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي عَن مَالك، وَعَن مُحَمَّد بن بشار، وَفِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَفِي موضِعين فِي الْأَطْعِمَة أَحدهمَا: عَن عَليّ بن عبد الله، وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَفِي الْوَلِيمَة عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب قَوْله: (عَام خَيْبَر) ، عَام: مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة. و: خَيْبَر، بَلْدَة مَعْرُوفَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نَحْو أَربع مراحل. وَقَالَ ابو عبيد: ثَمَانِيَة برد، وَسميت باسم رجل من العماليق نزلها وَكَانَ اسْمه خَيْبَر بن فانية بن مهلائل، وَكَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مصَّرها، وَهِي غير منصرف للعلمية والتأنيث، فتحهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ عِيَاض: اخْتلفُوا فِي فتحهَا، فَقيل: فتحت عنْوَة، وَقيل: صلحا، وَقيل: جلا أَهلهَا عَنْهَا بِغَيْر قتال، وَقيل: بَعْضهَا صلحا وَبَعضهَا عنْوَة وَبَعضهَا جلاء أَهلهَا بِغَيْر قتال. قَوْله: (بالصبهاء) بِالْمدِّ، مَوضِع على رَوْحَة من خَيْبَر، كَذَا رَوَاهُ فِي الْأَطْعِمَة، وَقَالَ الْبكْرِيّ: على بريد، على لفظ تَأْنِيث أصهب. قَوْله: (وَهِي أدنى خَيْبَر) أَي: اسفلها وطرفها جِهَة الْمَدِينَة. قَوْله: (فصلى الْعَصْر) ، الْفَاء: فِيهِ لمحض الْعَطف وَلَيْسَت للجزاء إِذْ قَوْله: إِذا لَيست جزائية بل هِيَ ظرفية. قَوْله: (بالأزواد) جمع زَاد، وَهُوَ طَعَام يتَّخذ للسَّفر. قَوْله: (فَأمر بِهِ) أَي: بالسويق. قَوْله: (فثرى) بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، من التثرية، وَمَعْنَاهُ: بلَّ، وَقد مر مَعْنَاهُ عَن قريب مُسْتَوفى. قَوْله: (فَأكل رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَي: مِنْهُ. قَوْله: (وأكلنا) زَاد فِي رِوَايَة سُلَيْمَان: (وشربنا) ؛ وَفِي الْجِهَاد من رِوَايَة عبد الْوَهَّاب: (فأكلنا وشربنا) . قَوْله: (فَمَضْمض) اي: قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة الْمَضْمَضَة مِنْهُ وَلَا دسم لَهُ؟ قلت: يحتبس مِنْهُ شَيْء فِي أثْنَاء الْأَسْنَان وجوانب الْفَم فيشغله تتبعه عَن أَحْوَال الصَّلَاة.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: أَن فِيهِ اسْتِحْبَاب الْمَضْمَضَة بعد الطَّعَام، للمعنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَقَالَ بَعضهم: اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ على جَوَاز صَلَاتَيْنِ فَأكْثر بِوضُوء وَاحِد. قلت: البُخَارِيّ لم يضع الْبَاب لذَلِك، وَإِن كَانَ يفهم مِنْهُ ذَلِك. الثَّانِي: فِيهِ دلَالَة على عدم وجوب الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار، وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَن الْوضُوء مِمَّا مست النَّار مَنْسُوخ لِأَنَّهُ مُتَقَدم، وخيبر كَانَت سنة سبع، وَقَالَ بَعضهم: لَا دلَالَة فِيهِ لِأَن أَبَا هُرَيْرَة حضر بعد فتح خَيْبَر. قلت: لَا يستبعد ذَلِك، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة رُبمَا يروي حَدِيثا عَن صَحَابِيّ كَانَ ذَلِك قبل أَن يسلم فيسنده إِلَى النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، لِأَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute