وكَرِهَ الحَسَنُ وأبُو قِلَابَةَ أنْ يَشْهَدَ عَلى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيها لأنَّه لَا يَدْرِي لَعَلَّ فِيها جَوْراً.
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام هُوَ عبد الله بن زيد الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء. قَوْله: أَن يشْهد بِفَتْح الْيَاء وفاعله مَحْذُوف تَقْدِير: أَن يشْهد أحد على وَصِيَّة ... إِلَى آخِره. قَوْله: جوراً بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ فِي الأَصْل: الظُّلم، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا غير الْحق، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَنه لَا يشْهد على وَصِيَّة حَتَّى يعلم مَا فِيهَا، وَتعقبه ابْن التِّين فَقَالَ: لَا أَدْرِي لم صَوبه وَهِي إِن كَانَ فِيهَا جور يُوجب الحكم أَن لَا يمْضِي لَا يمض وَإِن كَانَ يُوجب الحكم إمضاءه يمض، وَمذهب مَالك: جَوَاز الشَّهَادَة على الْوَصِيَّة وَإِن لم يعلم الشَّاهِد مَا فِيهَا.
وقَدْ كَتَبَ النبيُّ إِلَى أهْلِ خَيْبَرَ: إمَّا أنْ يَدُوا صاحِبَكُمْ وإمَّا أنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ.
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة فِي قصَّة حويصة ومحيصة وَقتل عبد الله بن سهل بِخَيْبَر، وَسَيَأْتِي هَذَا بعد عدَّة أَبْوَاب فِي: بَاب كتاب الْحَاكِم إِلَى عماله. قَوْله: إِمَّا أَن يدوا أَي: إِمَّا أَن يُعْطوا الدِّيَة، وَهُوَ من ودى يَدي إِذا أعْطى الدِّيَة، وأصل: يدوا، يوديوا، فحذفت الْوَاو الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل فِي الْمُفْرد لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة، ثمَّ حذفت فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع تبعا للمفرد، ثمَّ نقلت ضمة الْيَاء إِلَى الدَّال فَالتقى ساكنان وهما الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء وَلم يحذف الْوَاو لِأَنَّهُ عَلامَة الْجمع، فَصَارَ: يدوا، على وزن: يعلوا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي شَهادَةٍ عَلى المَرْأةِ مِنْ وراءِ السِّتْرِ: إنْ عَرَفْتَها فاشْهَدْ، وَإِلَّا فَلَا تَشْهَدْ.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ فِي حكم الشَّهَادَة على الْمَرْأَة: إِن عرفهَا الشَّاهِد يشْهد لَهَا وَعَلَيْهَا، وَإِن لم يعرفهَا فَلَا يشْهد. قَوْله: فِي شَهَادَة ويروى: فِي الشَّهَادَة، بِالْألف وَاللَّام. قَوْله: من وَرَاء السّتْر إِمَّا بالتنقب وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك، وَحَاصِله أَنه إِذا عرفهَا بِأَيّ طَرِيق كَانَ يجوز الشَّهَادَة عَلَيْهَا، وَلَا يشْتَرط أَن يَرَاهَا حَال الْإِشْهَاد.
وَأثر الزُّهْرِيّ هَذَا وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق جَعْفَر بن يرقان عَنهُ، وَمذهب مَالك: جَوَاز شَهَادَة الْأَعْمَى فِي الْإِقْرَار وَفِي كل مَا طَرِيقه الصَّوْت سَوَاء عِنْده تحملهَا أعمى أَو بَصيرًا ثمَّ عمي، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تقبل إِذا تحملهَا أعمى، وَدَلِيل مَالك أَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رووا عَن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من وَرَاء حجاب وميزوا أشخاصهن بالصوت، وَكَذَا آذان ابْن أم مَكْتُوم، وَلم يفرقُوا بَين ندائه ونداء بِلَال إلَاّ بالصوت، وَلِأَن الْإِقْدَام على الْفروج أَعلَى من الشَّهَادَة بالحقوق، وَالْأَعْمَى لَهُ وَطْء زَوجته وَهُوَ لَا يعرفهَا إِلَّا بالصوت، وَهَذَا لم يمْنَع مِنْهُ أحد.
٧١٦٢ - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَة عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: لَمَّا أرادَ النبيُّ أنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قالُوا: إنَّهُمْ لَا يَقْرَأونَ كِتاباً إلاّ مَخْتُوماً، فاتَّخَذَ النبيُّ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ، ونَقَّشُهُ: مُحَمَّدٌ رسولُ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على أَحْكَام. مِنْهَا الشَّهَادَة على الْخط الْمَخْتُوم، وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ الْخط والختم. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الْكتاب إِذا لم يكن مَخْتُومًا فالحجة بِمَا فِيهِ قَائِمَة لكَونه أَرَادَ أَن يكْتب إِلَيْهِم. قَالُوا: إِنَّهُم لَا يقرؤون كتابا إِلَّا مَخْتُومًا فَلذَلِك اتخذ خَاتمًا من فضَّة.
والْحَدِيث تقدم بَيَانه شرح حَدِيث أبي سُفْيَان مطولا فِي بَدْء الْوَحْي. وَأخرجه هُنَا عَن مُحَمَّد بن بشار الَّذِي يُقَال لَهُ بنْدَار عَن غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر.
قَوْله: وبيصه بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالصاد الْمُهْملَة أَي: بريقه ولمعانه.