الاستشارة فِي غير مَوضِع اسْتَشَارَ أَبَا بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي أُسَارَى بدر وَأَصْحَابه يَوْم الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: وَأَن الْمُشَاورَة عطف على قَول الله. قَوْله: قبل الْعَزْم أَي: على الشَّيْء، وَقبل التبين أَي: وضوح الْمَقْصُود لقَوْله تَعَالَى: {فَإِذا عزمت} الْآيَة وَجه الدّلَالَة أَنه أَمر أَولا بالمشاورة ثمَّ رتب التَّوَكُّل على الْعَزْم وعقبه عَلَيْهِ إِذْ قَالَ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الَاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} وَقَالَ قَتَادَة: أَمر الله نبيه إِذا عزم على أَمر أَن يمْضِي فِيهِ ويتوكل على الله.
فإذَا عَزَمَ الرَّسُولُ لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلى الله وَرَسُوله
يُرِيد أَنه بعد المشورة إِذا عزم على فعل أَمر مِمَّا وَقعت عَلَيْهِ المشورة وَشرع فِيهِ لم يكن لأحد من الْبشر التَّقَدُّم على الله وَرَسُوله لوُرُود النَّهْي عَن التَّقَدُّم بَين يَدي الله وَرَسُوله
وشاوَرَ النبيُّ أصْحابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي المُقامِ والخُرُوجِ فَرَأوا لَهُ الخرُوجَ، فَلَمَّا لَبِسَ لأمَتَهُ وعَزَمَ قالُوا: أقِمْ، فَلَمْ يَمِلْ إلَيْهِمْ بَعْدَ العَزْمِ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِنَبيّ يَلْبَسُ لأمَتَهُ فَيَضَعُها حتَّى يَحْكُمَ الله
هَذَا مِثَال لما ترْجم بِهِ أَنه يشاور فَإِذا عزم لم يرجع قَوْله: لأمته أَي: درعه وَهُوَ بتَخْفِيف اللَّام وَسُكُون الْهمزَة، وَقيل: الأداة بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الدَّال، وَهِي الْآلَة من درع وبيضة وَغَيرهمَا من السِّلَاح، وَالْجمع لَام بِسُكُون الْهمزَة. قَوْله: أقِم أَي: اسكن بِالْمَدِينَةِ وَلَا تخرج مِنْهَا إِلَيْهِم. قَوْله: فَلم يمل أَي: فَمَا مَال إِلَى كَلَامهم بعد الْعَزْم، وَقَالَ: لَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ إِذا عزم على أَمر أَن ينْصَرف عَنهُ لِأَنَّهُ نقض للتوكل الَّذِي أَمر الله بِهِ عِنْد الْعَزِيمَة، وَلَيْسَ اللأمة دَلِيل الْعَزِيمَة.
وشاوَرَ عَلِيّاً وأُسامَةَ فِيما رَمَى بِهِ أهْلُ الإفْكِ عائِشَةَ فَسَمِعَ مِنْهُما حتَّى نَزَلَ القُرْآنُ، فَجَلَدَ الرَّامِينَ ولَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنازُعِهمْ، ولاكِنْ حَكَمَ بِما أمَرَهُ الله.
أَي: شاور النَّبِي، عَليّ بن أبي طَالب وَأُسَامَة بن زيد، وَمَضَت قصَّة الْإِفْك مُطَوَّلَة فِي تَفْسِير سُورَة النُّور. قَوْله: فَسمع مِنْهُمَا أَي: من عَليّ وَأُسَامَة يَعْنِي: سمع كَلَامهمَا وَلم يعْمل بِهِ حَتَّى نزل الْقُرْآن. قَوْله: فجلد الرامين، وَسَمَّاهُمْ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته وهم: مسطح بن أَثَاثَة وَحسان بن ثَابت وَحمْنَة بنت جحش، وَعَن عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزلت براءتي قَامَ رَسُول الله، على الْمِنْبَر فَدَعَا بهم وحدَّهم، رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَوْله: وَلم يلْتَفت إِلَى تنازعهم قَالَ ابْن بطال عَن الْقَابِسِيّ: كَأَنَّهُ أَرَادَ تنازعهما، فَسَقَطت الْألف لِأَن المُرَاد عليّ وَأُسَامَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْقيَاس تنازعهما إلَاّ أَن يُقَال: أقل الْجمع اثْنَان، أَو المُرَاد: هما وَمن مَعَهُمَا وَوَافَقَهُمَا فِي ذَلِك.
وكانَتِ الأئِمّةُ بَعْدَ النبيِّ يَسْتَشِيرُونَ الأمُنَاءَ مِنْ أهْلِ العِلْمِ فِي الأمُورِ المُباحَةِ لِيَأخُذُوا بِأسْهَلِهَا، فَإِذا وَضَحَ الكِتابُ أوِ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِداءً بالنبيِّ
أَي: وَكَانَت الْأَئِمَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ كَانُوا يستشيرون الْأُمَنَاء وَقيد بِهِ لِأَن غير المؤتمن لَا يستشار وَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْله. قَوْله: فِي الْأُمُور الْمُبَاحَة الَّتِي كَانَت على أصل الْإِبَاحَة. قَوْله: ليأخذوا بأسهلها أَي: بأسهل الْأُمُور إِذا لم يكن فِيهَا نَص بِحكم معِين وَالْبَاقِي ظَاهر.
ورَأى أبُو بَكْرٍ قِتالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكاةَ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقاتِلُ وقَدْ قَالَ رسولُ الله