اللَّام فِي قَوْله: (لصَاحب الْقَبْر) بِمَعْنى: لأجل، وَقَالَ بَعضهم: أَي، عَن صَاحب الْقَبْر. قلت: مجىء: اللَّام، بِمَعْنى: عَن، ذكره ابْن الْحَاجِب، وَاحْتج عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا لَو كَانَ خيرا مَا سبقُونَا إِلَيْهِ} (الْأَحْقَاف: ١١) وَغَيره لم يقل بِهِ، بل قَالُوا: إِن: اللَّام، فِيهِ: لَام التَّعْلِيل، فعلى هَذَا الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي هُوَ الأصوب، وَيجوز أَن تكون: اللَّام، هُنَا بِمَعْنى: عِنْد، كَمَا فِي قَوْلهم: كتبته لخمس خلون.
٢١٧ - حدّثنا يَعْقُوبُ بن إبْراهِيمَ قالَ حدّثنا إسْماعيلُ بنُ إبْراهِيمَ قالَ حدّثنى رَوْحُ بنُ الْقاسِمِ قَالَ حدّثنى عَطَاءُ بنُ أبي مَيْمُونَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا تَبَرَّزمَ لِحَاجَتِهِ أتَيْتُهُ بِمَاءٍ بِهِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا تخفى.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة. الأول: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، تقدم فِي بَاب حب الرَّسُول من الْإِيمَان. الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، هُوَ ابْن علية، وَلَيْسَ هُوَ أَخا يَعْقُوب، وَقد مر ذكره فِي الْبَاب الْمَذْكُور. الثَّالِث: روح بن الْقَاسِم التَّمِيمِي الْعَنْبَري من ثِقَات الْبَصرِيين، ويكنى بِأبي الْقَاسِم وبأبي غياث، بالغين الْمُعْجَمَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة؛ وروح، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، وَهُوَ الْمَشْهُور. وَنقل ابْن التِّين: أَنه قرىء، بِضَم الرَّاء، وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَقيل: هُوَ بِالْفَتْح لَا نعلم فِيهِ خلافًا. الرَّابِع: عَطاء بن أبي مَيْمُونَة الْبَصْرِيّ مولى أنس بن معَاذ، تقدم فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْإِفْرَاد. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ الْإِخْبَار. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ العنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي وبصري.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا فِي الطَّهَارَة عَن يَعْقُوب كَمَا ذكر، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا، وَعَن ابي الْوَلِيد وَسليمَان بن حَرْب، وَعَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن بزيغ عَن أسود بن عَامر شَاذان، أربعتهم عَن شُعْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر عَن وَكِيع وغندر، وَعَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى عَن غنْدر، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ، وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَأبي كريب، كِلَاهُمَا عَن إِسْمَاعِيل بن علية بِهِ، وَعَن يحيى بن يحيى عَن خَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ عَن خَالِد، هُوَ الْحذاء عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن وهب بن بَقِيَّة عَن خَالِد الوَاسِطِيّ بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن شُعْبَة بِهِ.
بَيَان لغاته وَإِعْرَابه قَوْله: (إِذا تبرز) ، على وزن: تفعل، بتَشْديد الْعين. وتبرز الرجل: إِذا خرج إِلَى البرَاز، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، للْحَاجة. وَالْبرَاز إسم للفضاء الْوَاسِع، فكنوا بِهِ عَن قَضَاء الْغَائِط، كَمَا كنوا عَنهُ بالخلاء، لأَنهم كَانُوا يتبرزون فِي الْأَمْكِنَة الخالية من النَّاس. قَالَ الْخطابِيّ: المحدثون يَرْوُونَهُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ خطأ، لِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ مصدر من المبارزة فِي الْحَرْب. وَقَالَ الْجَوْهَرِي بِخِلَافِهِ، وَهَذَا لَفظه: البرَاز المبارزة فِي الْحَرْب، وَالْبرَاز أَيْضا كِنَايَة عَن ثقل الْغذَاء وَهُوَ الْغَائِط، ثمَّ قَالَ: وَالْبرَاز، بِالْفَتْح: الفضاء الْوَاسِع. قَوْله: (لِحَاجَتِهِ) أَي: لأَجلهَا وَيجوز أَن تكون: اللَّام، بِمَعْنى: عِنْد قَضَاء حَاجته. قَوْله: (فَيغسل بِهِ) أَي: فَيغسل ذكره بِالْمَاءِ، وَحذف الْمَفْعُول لظُهُوره، أَو للاستحياء عَن ذكره، كَمَا قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا: مَا رَأَيْت مِنْهُ وَلَا رأى مني، تعنى: الْعَوْرَة؛ وَيغسل، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر السِّين، هَذِه رِوَايَة الْعَامَّة. وَفِي رِوَايَة ابي ذَر: (فتغسل بِهِ) ، من بَاب: تفعل، بِالتَّشْدِيدِ. يُقَال: تغسل يتغسل تغسلاً، وَهَذَا الْبَاب للتكلف وَالتَّشْدِيد فِي الْأَمر، ويروى: (فيغتسل بِهِ) ، من بَاب: الافتعال، وَهَذَا الْبَاب إِنَّمَا هُوَ للاعتمال لنَفسِهِ، يُقَال: سوى لنَفسِهِ وَلغيره واستوى لنَفسِهِ، وَكسب لأَهله ولعياله واكتسب لنَفسِهِ.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: أَن فِيهِ اسْتِحْبَاب التباعد من النَّاس لقَضَاء الْحَاجة. الثَّانِي: أَن فِيهِ الاستتار عَن أعين النَّاس. الثَّالِث: أَن فِيهِ جَوَاز اسْتِخْدَام الصغار. الرَّابِع: أَن فِيهِ جَوَاز الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ واستحبابه ورجحانه على الِاقْتِصَار على الْحجر، وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف أَن الْأَفْضَل أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر، فَإِن اقْتصر، اقْتصر على أَيهمَا شَاءَ، لَكِن المَاء أفضل لأصالته فِي التنقية. وَقد قيل: ان الْحجر أفضل. وَقَالَ ابْن حبيب الْمَالِكِي: لَا يجوز الْحجر إلَاّ لمن عدم المَاء، ويستنبط مِنْهُ حكم آخر وَهُوَ: اسْتِحْبَاب خدمَة الصَّالِحين وَأهل الْفضل والتبرك بذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute