وَكثير من الروَاة يحدث بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ كلهم فُقَهَاء، وَفِي كَلَام آحَاد الروَاة جفَاء وتعجرف. وَقَالَ بعض كبار التَّابِعين: نعم الْمَرْء رَبنَا لَو أطعناه مَا عصانا، وَلَفظ الْمَرْء إِنَّمَا يُطلق على الذُّكُور من الْآدَمِيّين، فَأرْسل الْكَلَام وَبَقِي أَن يكون لفظ الشَّخْص جرى على هَذَا السَّبِيل فاعتوره الْفساد من وُجُوه: أَحدهَا أَن اللَّفْظ لَا يثبت إلَاّ من طَرِيق السّمع. وَالثَّانِي: إِجْمَاع الْأمة على الْمَنْع مِنْهُ. وَالثَّالِث: أَن مَعْنَاهُ أَن يكون جسماً مؤلفاً فَلَا يُطلق على الله، وَقد منعت الْجَهْمِية إِطْلَاق الشَّخْص مَعَ قَوْلهم بالجسم فَدلَّ ذَلِك على مَا قُلْنَاهُ من الْإِجْمَاع على مَنعه فِي صفته، عز وَجل. قَوْله: لَا شخص، كلمة: لَا، لنفي الْجِنْس، و: أغير، مَرْفُوع خَبره، و: أغير، أفعل تَفْضِيل من الْغيرَة وَهِي الحمية والأنفة. وَقَالَ عِيَاض: الْغيرَة مُشْتَقَّة من تغير الْقلب وهيجان الْغَضَب بِسَبَب الْمُشَاركَة فِيمَا بِهِ الِاخْتِصَاص، وَأَشد ذَلِك مَا يكون بَين الزَّوْجَيْنِ، هَذَا فِي حق الْآدَمِيّ، وَأما فِي حق الله فَيَأْتِي عَن قريب. قَوْله: وَقَالَ عبيد الله بن عَمْرو بتصغير العَبْد وبفتح الْعين فِي عَمْرو بن أبي الْوَلِيد الْأَسدي مَوْلَاهُم الرقي، يروي عَن عبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر بن سُوَيْد الْكُوفِي وَهُوَ أول من عبر نهر جيحون نهر بَلخ على طَرِيق سَمَرْقَنْد مَعَ سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان، خرج غازياً مَعَه وَمَات سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، وعمره يَوْم مَاتَ مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين. وَقَالَ الْخطابِيّ: انْفَرد بِهِ عبيد الله عَن عبد الْملك وَلم يُتَابع عَلَيْهِ، ورد بَعضهم على الْخطابِيّ بقوله: إِنَّه لم يُرَاجع صَحِيح مُسلم وَلَا غَيره من الْكتب الَّتِي وَقع فِيهَا هَذَا اللَّفْظ من غير رِوَايَة عبيد الله بن عَمْرو، ورد الرِّوَايَات الصَّحِيحَة والطعن فِي أَئِمَّة الحَدِيث الضابطين مَعَ إِمْكَان تَوْجِيه مَا رووا من الْأُمُور الَّتِي أقدم عَلَيْهَا كثير من غير أهل الحَدِيث، وَهُوَ يَقْتَضِي قُصُور فهم من فعل ذَلِك مِنْهُم، وَمن ثمَّة قَالَ الْكرْمَانِي: لَا حَاجَة لتخطئة الروَاة الثقاة بل حكم هَذَا حكم سَائِر المتشابهات: إِمَّا التَّفْوِيض وَإِمَّا التَّأْوِيل. انْتهى. قلت: هَذَا وَقع فِي عين مَا أنكر عَلَيْهِ، والخطابي لم يُنكر هَذِه اللَّفْظَة وَحده، وَكَذَلِكَ أنكرها الدَّاودِيّ وَابْن فورك والقرطبي، قَالَ: أصل وضع الشَّخْص فِي اللُّغَة لجرم الْإِنْسَان وجسمه، وَاسْتعْمل فِي كل شَيْء ظَاهر، يُقَال: شخص الشَّيْء إِذا ظهر، وَهَذَا الْمَعْنى محَال على الله. انْتهى. فَكَلَامه يدل على أَنه لَا يرضى بِإِطْلَاق هَذِه اللَّفْظَة على الله وَإِن كَانَ قد أوَّله، وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل: إِنَّه أيد كَلَامه بِمَا قَالَه الْكرْمَانِي، مَعَ أَنه ينْسبهُ فِي مَوَاضِع إِلَى الْغَفْلَة وَإِلَى الْوَهم والغلط، وَمن أَيْن ثَبت لَهُ عدم مُرَاجعَة الْخطابِيّ إِلَى صَحِيح مُسلم وَغَيره؟ وَكَلَامه عَام فِي كل مَوضِع فِيهِ، والسهو وَالنِّسْيَان غير مرفوعين عَن كل أحد يقعان عَن الثِّقَات وَغَيرهم، وَفِي نِسْبَة الثِّقَات إِلَى قُصُور الْفَهم وَاقع هُوَ فِيهِ.