أَي هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى ... إِلَى آخِره، قَالَ الْكرْمَانِي: الشَّرْط وَالْجَزَاء متحدان، إِذْ معنى إِن لم تفعل إِن لم تبلغ. وَأجَاب بِأَن المُرَاد من الْجَزَاء لَازمه نَحْو: من كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ. قَوْله: رسالاته، أَي: الْإِرْسَال لَا بُد فِي الرسَالَة من ثَلَاثَة أُمُور الْمُرْسل والمرسل إِلَيْهِ وَالرَّسُول، وَلكُل مِنْهُم أَمر: للمرسل الْإِرْسَال، وَلِلرَّسُولِ التَّبْلِيغ وللمرسل إِلَيْهِ الْقبُول وَالتَّسْلِيم.
وَقَالَ: {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً} وَقَالَ تَعَالَى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}
وَقَالَ هَكَذَا فِي بعض النّسخ بِدُونِ ذكر فَاعله، وَفِي بَعْضهَا: وَقَالَ الله: {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً}
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عنِ النبيِّ {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ هُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، عَن غَزْوَة تَبُوك. قَالَ الْكرْمَانِي: وَجه مناسبته لهَذِهِ التَّرْجَمَة التَّفْوِيض والانقياد وَالتَّسْلِيم، وَلَا يستحسن أحد أَن يُزكي أَعماله بالعجلة، بل يُفَوض الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى. وَحَدِيث كَعْب فِي تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة مطولا.
وقالَتْ عائِشَةُ: إذَا أعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِىءٍ {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أحَدٌ.
أَرَادَت عَائِشَة بذلك أَن أحدا لَا يستحسن عمل غَيره، فَإِذا أعجبه ذَلِك فَلْيقل: اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون قَوْله: وَلَا يستخفيك أحد بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالنُّون الثَّقِيلَة للتَّأْكِيد، حَاصِل الْمَعْنى: لَا تغتر بِعَمَل أحد فتظن بِهِ الْخَيْر إلَاّ إِن رَأَيْته وَاقِفًا عِنْد حُدُود الشَّرِيعَة. وَهَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد مطولا، وَفِيه إِذا أعْجبك حسن عمل امرىء إِلَى آخِره، وأرادت بِالْعَمَلِ مَا كَانَ من الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة وَنَحْوهمَا، فَسَمت كل ذَلِك عملا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ {ذَالِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} هاذَا القُرْآنَ {ذَالِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} بَيانٌ ودِلَالَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلواةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} هاذَا حُكْمُ الله.
معمر بِفَتْح الميمين قيل: هُوَ أَبُو عُبَيْدَة بِالضَّمِّ اللّغَوِيّ وَقيل: هُوَ معمر بن رَاشد الْبَصْرِيّ ثمَّ التَّيْمِيّ. قَوْله: هَذَا الْقُرْآن، يَعْنِي: ذَلِك، بِمَعْنى: هَذَا، وَهُوَ خلاف الْمَشْهُور، وَهُوَ أَن ذَلِك للبعيد وَهَذَا للقريب. كَقَوْلِه: {لكم حكم الله} أَي: هَذَا حكم الله وَكَقَوْلِه: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} وَغَيرهَا أَي: هَذِه أَعْلَام الْقُرْآن. قَوْله: {هدى لِلْمُتقين} فسره بقوله: بَيَان وَدلَالَة، بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا ودلولة أَيْضا، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي. قَالَ: الْفَتْح أَعلَى. قَالَ الْكرْمَانِي: تعلقه بالترجمة نوع من التَّبْلِيغ سَوَاء كَانَ بِمَعْنى الْبَيَان أَو الدّلَالَة.
{ذَالِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} لَا شَكَّ {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} وَغَيرهَا يَعْنِي هاذِهِ أعْلَامُ القُرْآنِ.
فسر قَوْله: {لَا ريب فِيهِ} أَي: لَا شكّ. قَوْله: بِكُل آيَات الله أَي: هَذِه آيَات الله، وَاسْتعْمل: تِلْكَ، الَّتِي للبعيد فِي مَوضِع: هَذِه، الَّتِي للقريب.
ومِثْلُهُ: {هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّو اْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} يَعني: بِكُمْ.
أَي: مثل الْمَذْكُور فِيمَا مضى فِي اسْتِعْمَال الْبعيد وَإِرَادَة الْقَرِيب. قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم} يَعْنِي: بكم.
وَقَالَ أنَسٌ: بَعَثَ النبيُّ خالهُ حَرَاماً إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ: أتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغُ رِسالَةَ رسولِ الله فَجَعَل يُحَدِّثُهُمْ.
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مَوْصُولا من طَرِيق همام عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس، قَالَ: بعث النَّبِي أَقْوَامًا من بني سليم ... الحَدِيث، وَلَفظه فِي الْمَغَازِي: عَن أنس: فَانْطَلق حرَام أَخُو أم سليم فَذكره، وَحرَام ضد حَلَال ابْن