تضع الموازين العادلات. قيل: ثمَّة ميزَان وَاحِد يُوزن بِهِ الْحَسَنَات. وَأجِيب بِأَنَّهُ جمع بِاعْتِبَار الْعباد وأنواع الموزونات. وَقَالَ الزّجاج: أَي نضع الموازين ذَوَات الْقسْط. قَالَ أهل السّنة: إِنَّه جسم محسوس ذُو لِسَان وكفتين، وَالله تَعَالَى يَجْعَل الْأَعْمَال والأقوال كالأعيان موزونة أَو توزن صحفها، وَقيل: ميزَان كميزان الشّعْر، وَفَائِدَته إِظْهَار الْعدْل وَالْمُبَالغَة فِي الْإِنْصَاف والإلزام قطعا لأعذار الْعباد.
وأنَّ أعْمالَ بَني آدَمَ وقَوْلَهُمْ يُوزَنُ.
قد ذكرُوا أَن الْأَعْمَال والأقوال تتجسد بِإِذن الله تَعَالَى فتوزن، أَو توزن الصحائف الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَال.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: القُسْطاطُ: العَدْلُ بالرُّومِيَّةِ.
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {يَابَنِى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْءَايَاتِى فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، {وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} وَهُوَ بِضَم الْقَاف وَكسرهَا الْعدْل بلغَة أهل الرّوم، هُوَ من توَافق اللغتين.
ويُقالُ: القِسْطُ مَصْدَرُ المُقْسِطِ، وهْوَ العادِلُ. وأمَّا القاسِطُ فَهْوَ الجائِرُ.
اعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ فِي قَوْله: الْقسْط مصدر المقسط، ومصدر المقسط الإقساط، يُقَال: أقسط إِذا عدل، وقسط إِذا جَار. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمصدر الْمَحْذُوف الزَّوَائِد نظرا إِلَى أَصله.
قلت: هَذَا لَيْسَ بكاف فِي الْجَواب.
٧٥٦٣ - حدّثنا أحْمَدُ بنُ إشْكابٍ، حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عنْ عُمارَةَ بنِ القَعْقاعِ، عنْ أبي زُرْعَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمتانِ حَبيبَتان إِلَى الرَّحْمانِ خَفِيفتانِ عَلى اللِّسانِ، ثَقيلَتانِ فِي المِيزانِ: سبْحان الله وبِحَمْدِهِ، سبْحانَ الله العَظِيمِ
انْظُر الحَدِيث ٦٤٠٦ وطرفه
ختم البُخَارِيّ كِتَابه بالتسبيح والتحميد كَمَا بَدَأَ أَوله بِحَدِيث النِّيَّة عملا بِهِ.
وَأَبُو زرْعَة اسْمه: هرم، وَمر رِجَاله عَن قريب.
وَقد مضى الحَدِيث فِي الدَّعْوَات عَن زُهَيْر بن حَرْب وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن قُتَيْبَة، وَهنا رَوَاهُ عَن أَحْمد بن إشكاب بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالكاف وبالباء الْمُوَحدَة غير منصرف، وَقيل: هُوَ منصرف أَبُو عبد الله الصفار الْكُوفِي سكن مصر وَيُقَال: أَحْمد بن مَيْمُون بن إشكاب، وَيُقَال: أَحْمد بن عبد الله بن إشكاب، وَيُقَال: اسْم إشكاب مجمع مَاتَ سنة تسع عشر وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: كلمتان أَي: كلامان، وَتطلق الْكَلِمَة عَلَيْهِ كَمَا يُقَال: كلمة الشَّهَادَة. قَوْله: حبيبتان أَي: محبوبتان يَعْنِي بِمَعْنى الْمَفْعُول لَا الْفَاعِل، وَالْمرَاد محبوبية قائلهما، ومحبة الله للْعَبد إِرَادَة إِيصَال الْخَيْر إِلَيْهِ والتكريم. قيل: مَا وَجه لُحُوق عَلامَة التَّأْنِيث؟ والفعيل إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. فَأُجِيب: بِأَن التَّسْوِيَة جَائِزَة لَا وَاجِبَة، ووجوبها فِي الْمُفْرد لَا فِي الْمثنى، أَو أَن هَذِه التَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية. قَوْله: إِلَى الرَّحْمَن تَخْصِيص لفظ الرَّحْمَن من بَين سَائِر الْأَسْمَاء الْحسنى لِأَن الْقَصْد من الحَدِيث بَيَان سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى على عباده، حَيْثُ يجازي على الْفِعْل الْقَلِيل بالثواب الْكثير، وَلَا يُقَال: إِنَّه سجع، لِأَن الْمنْهِي سجع الْكُهَّان. قَوْله: سُبْحَانَ مصدر لَازم النصب بإضمار الْفِعْل، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: سُبْحَانَ علم للتسبيح كعثمان علم للرجل، قيل: سُبْحَانَ وَاجِب الْإِضَافَة فَكيف الْجمع بَين الْإِضَافَة والعلمية؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يُنكر ثمَّ يُضَاف، وَمعنى التَّسْبِيح التَّنْزِيه يَعْنِي: أنزه الله تَنْزِيها عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ. قَوْله: وَبِحَمْدِهِ الْوَاو للْحَال أَي: أسبحه ملتبساً بحمدي لَهُ من أجل توفيقه لي للتسبيح وَنَحْوه. أَو لعطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة أَي: أسبح وألتبس بِحَمْدِهِ، وَالْحَمْد هُوَ الثَّنَاء بالجميل على وَجه التَّفْضِيل، وتكرار التَّسْبِيح للإشعار بتنزيهه على الْإِطْلَاق، وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما.