مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي بَاب: أَي: الْإِسْلَام أفضل، واسْمه عبد الله بن قيس، وَأَبُو وَائِل شَقِيق.
بَيَان لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضعي، وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَرُوَاته مَا بَين شَامي ومصري وكوفي.
وتعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: تقدم فِي بَاب الْبَوْل قَائِما.
بَيَان لغته وَإِعْرَابه قَوْله: (يشدد) ، جملَة فِي مَحل النصب على أَنه خبر: كَانَ، وَمَعْنَاهُ: كَانَ يحْتَاط عَظِيما فِي الِاحْتِرَاز عَن رشاشاته، حَتَّى كَانَ يَبُول فِي القارورة خوفًا أَن يُصِيبهُ من رشاشاته شَيْء. وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه أَنه سمع أَبَا مُوسَى، وَرَأى رجلا يَبُول قَائِما، قَالَ: وَيحك أَفلا قَاعِدا، ثمَّ ذكر قصَّة بني اسرائيل، وَبَنُو اسرائيل بَنو يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، واسرائيل لقبه. قَوْله: (كَانَ إِذا أصَاب ثوب احدهم) الضَّمِير فِي: كَانَ، ضمير الشَّأْن، وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة خَبره، وَبِهَذَا لَا يرد سُؤال الْكرْمَانِي بقوله: فان قلت: بَنو، جمع فَلم أفرد ضمير: كَانَ، الرَّاجِع إِلَيْهِ؟ وَبَنُو إِسْرَائِيل أَصله بنُون لإسرائيل، فَلَمَّا أضيف إِلَى إِسْرَائِيل سَقَطت نون الْجمع.
فان قلت: مَا وَجه تلقيب يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِم السَّلَام، بإسرائيل؟ قلت: كَانَ يَعْقُوب وعيصو أَخَوَيْنِ، كَانَا فِي بطن أمهما مَعًا. فَلَمَّا جَاءَ وَقت وضعهما اقتتلا فِي بَطنهَا لأجل الْخُرُوج أَولا، فَقَالَ عيصو: وَالله لَئِن خرجت قبلي الاعترض فِي بطن أُمِّي لأقتلها، فَتَأَخر يَعْقُوب وَخرج عيصو قبله، فَسمى: عيصو، لِأَنَّهُ عصى، وسمى: يَعْقُوب، لِأَنَّهُ خرج آخِذا بعقب عيصو. وَكَانَ يَعْقُوب أكبرهما فِي الْبَطن، وَكَانَ أحبهما إِلَى أمه، وَكَانَ: عيصو، أحبهما إِلَى أَبِيه، وَكَانَ صَاحب صيد، فَلَمَّا كبر أَبوهُمَا إِسْحَاق وَعمي قَالَ لعيصو: يَا بني أَطْعمنِي لحم صيد أدعُ لَك بِدُعَاء كَانَ ابي دَعَا لي بِهِ، وَكَانَ أشعر، وَكَانَ يَعْقُوب أجرد، فَخرج عيصو إِلَى الصَّيْد، وَقَالَت أمه ليعقوب: خُذ شَاة واشوها والبس جلدهَا، وقدمها إِلَى أَبِيك، وَقل لَهُ: أَنا ابْنك عيصو، فَفعل، فمسه إِسْحَاق فَقَالَ: المسّ مسّ عيصو، وَالرِّيح ريح يَعْقُوب، فَقَالَت أمه: ابْنك عيصو فَادع لَهُ، فَأكل مِنْهَا ودعا لَهُ بِأَن الله يَجْعَل فِي ذُريَّته الْأَنْبِيَاء والملوك، ثمَّ جَاءَ عيصو بالصيد فَقَالَ إِسْحَاق: يَا بني قد سَبَقَك أَخُوك، فَغَضب وَقَالَ: وَالله لاقتلنه. فَقَالَ اسحاق: يَا بني قد بقيت دَعْوَة، فَدَعَا لَهُ: بِأَن تكون ذُريَّته عدد التُّرَاب وَلَا يملكهم أحد. وَقَالَت أم يَعْقُوب: إلحق بخالك فَكُن عِنْده، خشيَة أَن يقْتله عيصو، فَانْطَلق يَعْقُوب إِلَى خَاله لابان، وَكَانَ بِبَابِل، وَقيل: بحرَّان، فَكَانَ يسير بِاللَّيْلِ ويكمن بِالنَّهَارِ، فَلذَلِك سمي إِسْرَائِيل، فَأخذ من: السرى وَاللَّيْل، قَالَه السّديّ. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ عبد الله، لِأَن: ايل، اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى بالسُّرْيَانيَّة، كَمَا يُقَال: جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل.
قَوْله: (اذا اصاب) اي: الْبَوْل (و: ثوب أحدهم) ، بِالنّصب مَفْعُوله، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: (إِذا أصَاب جلد أحدهم) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: مُرَاده بِالْجلدِ: وَاحِد الْجُلُود الَّتِي كَانُوا يلبسونها، وَحمله بَعضهم على ظَاهره، وَزعم أَنه من الإصر الَّذِي حملوه، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة ابي دَاوُد، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، قَالَ: حَدثنَا الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَن عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة، قَالَ: انْطَلَقت أَنا وَعَمْرو بن العَاصِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَخرج وَمَعَهُ دورقة ثمَّ استتر بهَا ثمَّ بَال، فَقُلْنَا: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُول كَمَا تبول الْمَرْأَة، فَسمع ذَلِك، فَقَالَ: ألم تعلمُوا مَا لَقِي صَاحب بني اسرائيل؟ كَانُوا إِذا أَصَابَهُم الْبَوْل قطعُوا مَا أَصَابَهُ الْبَوْل مِنْهُم، فنهاهم، فعذب فِي قَبره. قَالَ مَنْصُور عَن ابي وَائِل عَن ابي مُوسَى: جلد أحدهم، وَقَالَ عَاصِم عَن ابي وَائِل عَن ابي مُوسَى: جَسَد أحدهم. قَوْله: (انْظُرُوا اليه يَبُول كَمَا تبول الْمَرْأَة) ، وَهَذَا القَوْل مِنْهُمَا من غير قصد، أَو وَقع بطرِيق التَّعَجُّب، أَو بطرِيق الاستفسار عَن هَذَا الْفِعْل، فَلذَلِك قَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بقوله: (الم تعلمُوا) الخ، ولِمَ يَقُولُونَ هَذَا القَوْل بطرِيق الِاسْتِهْزَاء وَالِاسْتِخْفَاف، لِأَن الصَّحَابَة برَاء من هَذَا الْكَلَام: وَأَرَادَ بِصَاحِب بني اسرائيل: مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. فان قلت: كَيفَ يَتَرَتَّب قَوْله: (فعذب) على قَوْله: (فنهاهم) ؟ قلت: فِيهِ حذف تَقْدِيره: فنهاهم عَن إِصَابَة الْبَوْل وَلم ينْتَهوا، فعذب الله تَعَالَى. و: الْفَاء، فِي: فعذب، فَاء السَّبَبِيَّة نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} (الْقَصَص: ١٥) قَوْله: (قرضه) بِالْقَافِ أَي: قطعه، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (قرضه بالمقراض) ، وَهَذِه الرِّوَايَة ترد قَول من يَقُول: المُرَاد بالقرض: الْغسْل بِالْمَاءِ. قَوْله: (ليته أمسك) ، قَول حُذَيْفَة أَي: لَيْت أَبَا مُوسَى أمسك نَفسه عَن هَذَا التَّشْدِيد، أَو لِسَانه عَن هَذَا القَوْل، أَو كليهمَا عَن كليهمَا، ومقصوده: أَن هَذَا التَّشْدِيد خلاف السّنة، فَإِن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَال قَائِما، وَلَا شكّ فِي كَون الْقَائِم معرضًا للرشاش، وَلم يلْتَفت، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى هَذَا الِاحْتِمَال، وَلم يتَكَلَّف الْبَوْل فِي القارورة؛ وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ حجَّة لمن رخص فِي يسير الْبَوْل، لِأَن الْمَعْهُود مِمَّن بَال قَائِما أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute