للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيَان معانية قَوْله: (جَاءَت امْرَأَة) وَقع رِوَايَة الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى، عَنهُ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هِشَام فِي هَذَا الحَدِيث: أَن أَسمَاء هِيَ السائلة، وَأنكر النَّوَوِيّ هَذَا، وَضعف هَذِه الرِّوَايَة، وَلَا وَجه لإنكاره، لِأَنَّهُ لَا يبعد أَن يبهم الرَّاوِي اسْم نَفسه، وَقد وَقع مثل هَذَا فِي حَدِيث أبي سعيد، رَضِي الله عَنهُ، فِي قصَّة الرّقية بِفَاتِحَة الْكتاب. قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي، قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، وَفِيه تجوز لإِطْلَاق الرُّؤْيَة، وَإِرَادَة الْإِخْبَار، لِأَن الرُّؤْيَة سَبَب الْإِخْبَار، وَجعل الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى الْأَمر بِجَامِع الطّلب. قَوْله: (تحيض فِي الثَّوْب) أَي: يصل دم الْحيض إِلَى الثَّوْب، هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي. قلت: الْمَعْنى: تحيض حَال كَونهَا فِي الثَّوْب، وَمن ضَرُورَة ذَلِك وُصُول الدَّم إِلَى الثَّوْب. وللبخاري، من طَرِيق مَالك عَن هِشَام: إِذا أصَاب ثوبها الدَّم من الْحيض، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن أَسمَاء: (سَمِعت امْرَأَة تسْأَل النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: كَيفَ تصنع إحدانا بثوبها إِذا رَأَتْ الطُّهْر أتصلى فِيهِ؟ قَالَ: تنظر، فَإِن رَأَتْ فِيهِ دَمًا فلتقرصه بِشَيْء من مَاء، ولتنضح مَا لم تَرَ ولتصل

فِيهِ) . وَعند مُسلم: (الْمَرْأَة تصيب ثوبها من دم الْحَيْضَة) ، وَعند التِّرْمِذِيّ: (إقرصيه بِمَاء ثمَّ رشيه) . وَعند ابْن خُزَيْمَة: (كَيفَ تصنع بثيابها الَّتِي كَانَت تلبس؟ فَقَالَ إِن رَأَتْ فِيهَا شَيْئا فلتحكه ثمَّ لتقرصه بِشَيْء من مَاء، وتنضح فِي سَائِر الثَّوْب بِمَاء، ولتصل فِيهِ) . وَفِي لفظ: (إِن رَأَيْت فِيهِ دَمًا فحكيه) . وَفِي لفظ: (رشيه وَصلي فِيهِ) . وَفِي لفظ: (ثمَّ تنضحه وَتصلي فِيهِ) . وَعند أبي نعيم: (لتحته ثمَّ لتقرصه ثمَّ لتنضحه ثمَّ لتصل فِيهِ) . وَفِي حَدِيث مُجَاهِد عَن عَائِشَة البُخَارِيّ: (مَا كَانَ لإحدانا إلَاّ ثوب وَاحِد تحيض فِيهِ، فَإِذا أَصَابَهُ شَيْء من دم قَالَت بريقها، فمعنعته بظفرها) . أَي: عركته. وَاخْتلف فِي سَماع مُجَاهِد عَن عَائِشَة، فَأنكرهُ ابْن حبَان وَيحيى بن معِين وَيحيى بن سعيد وَشعْبَة وَآخَرُونَ، وأثبته البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَمُسلم وَآخَرُونَ، وَعند البُخَارِيّ من حَدِيث الْقَاسِم عَنْهَا: (ثمَّ تقرص الدَّم من ثوبها عِنْد طهرهَا فتغسله وتنضح على سائره ثمَّ تصلي فِيهِ) . وَفِي حَدِيث أم قيس بنت مُحصن، عِنْد ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان: (إغسليه بِالْمَاءِ والسدر وحكيه وَلَو بضلع) ، زَاد ابْن حبَان قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اغسليه بِالْمَاءِ) ، أَمر فرض، وَذكر السدر والحك بالضلع أَمر ندب وإرشاد. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ حَدِيث فِي غَايَة الصِّحَّة، وَعَابَ على أبي أَحْمد قَوْله: الْأَحَادِيث الصِّحَاح لَيْسَ فِيهَا ذكر الضلع والسدر، وَعند أبي أَحْمد العسكري: (حكيه بضلع واتبعيه بِمَاء وَسدر) . وَعند أَحْمد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (إِن خَوْلَة بنت يسَار قَالَت: يَا رَسُول الله لَيْسَ لي إلَاّ ثوب وَاحِد، وَأَنا أحيض فِيهِ، قَالَ: فَإِذا طهرت فاغسلي مَوضِع حيضك ثمَّ صلي فِيهِ، قَالَت: يَا رَسُول الله أرى لم يخرج اثره، قَالَ: يَكْفِيك المَاء وَلَا يَضرك أَثَره) . وَلما ذكره ابْن أبي خَيْثَمَة فِي (تَارِيخه الْكَبِير) جعله من مُسْند خَوْلَة، وَكَذَلِكَ الطَّبَرَانِيّ، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) عَن امْرَأَة من غفار: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى ثِيَابهَا من الدَّم، قَالَ: أصلحي من نَفسك، ثمَّ خذي إِنَاء من مَاء واطرحي فِيهِ ملحاً، ثمَّ اغسلي مَا أصَاب حقيبة الرجل من الدَّم، ثمَّ عودي لمركبك) . وَعند الدَّارمِيّ، بِسَنَد فِيهِ ضعف عَن أم سَلمَة، رَضِي الله عَنْهَا: (إِن إِحْدَاهُنَّ تسبقها القطرة من الدَّم. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أصَاب إحداكن بذلك فلتقصعه بريقها. وَعند ابْن خُزَيْمَة: وَقيل لَهَا: كَيفَ كنتن تصنعن بثيابكن إِذا طمثن على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: إِن كُنَّا لنطمث فِي ثيابنا أَو فِي دروعنا، فَمَا نغسل مِنْهُ إلَاّ أثر مَا أَصَابَهُ الدَّم. قَوْله: (تَحْتَهُ) الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ، وَفِي قَوْله: (ثمَّ تقرصه) يرجع إِلَى الثَّوْب. وَفِي قَوْله: و (تنضحه) يرجع إِلَى المَاء، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن الخاطبي قَالَ: تنضحه أَي: تغسله. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: المُرَاد بِهِ الرش، لِأَن غسل الدَّم اسْتُفِيدَ من قَوْله: (تقرصه بِالْمَاءِ) ، وَأما النَّضْح فَهُوَ لما شكّ فِيهِ من الثَّوْب. وَقَالَ بَعضهم: فعلى هَذَا الضَّمِير فِي قَوْله: (تنضحه) يعود على الثَّوْب، بِخِلَاف: تَحْتَهُ، فَإِنَّهُ يعود على الدَّم، فَيلْزم مِنْهُ إختلاف الضمائر، وَهُوَ على خلاف الأَصْل. قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن لفظ: الدَّم، غير مَذْكُور صَرِيحًا، وَالْأَصْل فِي عود الضَّمِير أَن يكون إِلَى شَيْء صَرِيح، وَالْمَذْكُور هُنَا صَرِيحًا: الثَّوْب وَالْمَاء، فالضميران الْأَوَّلَانِ يرجعان إِلَى الثَّوْب لِأَنَّهُ الْمَذْكُور قبلهمَا، وَالضَّمِير الثَّالِث يرجع إِلَى: المَاء، لِأَنَّهُ الْمَذْكُور قبله، وَهَذَا هُوَ الأَصْل. ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: ثمَّ إِن الرش على الْمَشْكُوك فِيهِ لَا يُفِيد شَيْئا، لِأَنَّهُ إِن كَانَ طَاهِرا فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ متنجساً لم يتَطَهَّر بذلك، فَالْأَحْسَن مَا قَالَه الخاطبي. قلت: الَّذِي قَالَه الْقُرْطُبِيّ هُوَ الْأَحْسَن لِأَنَّهُ يلْزم التّكْرَار من قَول الخاطبي بِلَا فَائِدَة، لأَنا ذكرنَا أَن الحت هُوَ الفرك، والقرص هُوَ الدَّلْك بأطراف الاصابع مَعَ صب المَاء عَلَيْهِ حَتَّى يذهب أَثَره، لما نَقَلْنَاهُ عَن القَاضِي عِيَاض،

<<  <  ج: ص:  >  >>