للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخصوصية بِلَا دَلِيل لَا تسمع، وَالْجَوَاب الْقَاطِع أَن هَذَا مَحْمُول على حَالَة الِاخْتِيَار كَمَا ذكرنَا. فان قلت: رُوِيَ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (كَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر فِي الْمَسْجِد فَلم يَكُونُوا يرشون شَيْئا) ، وَرُوِيَ عَن جَابر والبراء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا: (مَا أكل لَحْمه فَلَا بَأْس ببوله) . وَحَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْآتِي ذكره فِي بَاب: إِذا القى على ظهر الْمُصَلِّي قذر أَو جيفة لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته، والْحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي ورد فِي غَزْوَة تَبُوك: (فَكَانَ الرجل ينْحَر بعيره فيعصر فرثه فيشربه وَيجْعَل مَا بَقِي على كبده) . قلت: أما حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَغير مُسْند، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، علم بذلك. وَأما حَدِيث جَابر والبراء فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَلِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّة قيل وُرُود الحكم بِتَحْرِيم النجو وَالدَّم، وَقَالَ ابْن حزم: هُوَ مَنْسُوخ بِلَا شكّ. وَأما حَدِيث غَزْوَة تَبُوك فقد قيل: إِنَّه كَانَ للتداوي، وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَو كَانَ الفرث إِذا عصره نجسا لم يجز للمرء أَن يَجعله على كبده.

السُّؤَال الثَّانِي: مَا وَجه تعذيبهم بالنَّار وَهُوَ تسمير أَعينهم بمسامير محمية، كَمَا ذكرنَا، وَقد نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التعذيب بالنَّار؟ الْجَواب: أَنه كَانَ قبل نزُول الْحُدُود، وَآيَة الْمُحَاربَة وَالنَّهْي عَن الْمثلَة، فَهُوَ مَنْسُوخ. وَقيل: لَيْسَ بمنسوخ، وَإِنَّمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا فعل قصاصا لأَنهم فعلوا بالرعاة مثل ذَلِك. وَقد رَوَاهُ مُسلم فِي بعض طرقه، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ. قَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا لم يذكرهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَرطه. وَيُقَال: فَلذَلِك بوب البُخَارِيّ فِي كِتَابه، وَقَالَ: بَاب إِذا حرق الْمُشرك هَل يحرق؟ وَوَجهه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سمل أَعينهم، وَهُوَ تحريق بالنَّار، اسْتدلَّ بِهِ أَنه لما جَازَ تحريق أَعينهم بالنَّار، وَلَو كَانُوا لم يحرقوا أعين الرعاء، أَنه أولى بِالْجَوَازِ بتحريق الْمُشرك إِذا أحرق الْمُسلم. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: وَكَانَ البُخَارِيّ جمع بَين حَدِيث: (لَا تعذبوا بِعَذَاب الله) ، وَبَين هَذَا، بِحمْل الأول على غير سَبَب، وَالثَّانِي على مُقَابلَة السَّيئَة بِمِثْلِهَا من الْجِهَة الْعَامَّة، وَإِن لم يكن من نوعها الْخَاص، وإلَاّ فَمَا فِي هَذَا الحَدِيث أَن العرنيين فعلوا ذَلِك بالرعاة. وَقيل: النَّهْي عَن الْمثلَة نهي تَنْزِيه لَا نهي تَحْرِيم.

السُّؤَال الثَّالِث: إِن الْإِجْمَاع قَامَ على أَن من وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل فَاسْتَسْقَى المَاء إِنَّه لَا يمْنَع مِنْهُ لِئَلَّا يجْتَمع عَلَيْهِ عذابان؟ الْجَواب: أَنه إِنَّمَا لم يسقوا هُنَاكَ معاقبة لجنايتهم، لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَعَا عَلَيْهِم، فَقَالَ: عطَّش الله من عطَّش آل مُحَمَّد اللَّيْلَة. أخرجه النَّسَائِيّ: فَأجَاب الله دعاءه، وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب أَنهم منعُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إرْسَال مَا جرت بِهِ الْعَادة من اللَّبن الَّذِي كَانَ يراح بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لقاحه فِي كل لَيْلَة، كَمَا ذكره ابْن سعد، وَلِأَنَّهُم ارْتَدُّوا فَلَا حُرْمَة لَهُم. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: لم يَقع نهي من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سقيهم وَفِيه نظر لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اطلع على ذَلِك، وسكوته كافٍ فِي ثُبُوت الحكم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمُحَارب لَا حُرْمَة لَهُ فِي سقِِي المَاء وَلَا فِي غَيره، وَيدل عَلَيْهِ أَن من لَيْسَ مَعَه مَاء إلَاّ لطهارته لَيْسَ لَهُ أَن يسْقِيه الْمُرْتَد وَيتَيَمَّم، بل يَسْتَعْمِلهُ وَلَو مَاتَ الْمُرْتَد عطشاً. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا فعل بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك لِأَنَّهُ أَرَادَ بهم الْمَوْت بذلك، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَقيل: إِن الْحِكْمَة فِي تعطيشهم لكَوْنهم كفرُوا بِنِعْمَة سقِِي ألبان الْإِبِل الَّتِي حصل لَهُم بهَا الشِّفَاء من الْجزع والوخم، وَفِيه ضعف.

قالَ أبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا وقتَلُوا وَكَفَرُوا بَعد إيمانِهِمْ وَحارَبُوا الله وَرَسُولَهُ.

ابو قلَابَة: عبد الله، وَقَوله هَذَا إِن كَانَ دَاخِلا فِي قَول أَيُّوب بِأَن يكون مقولاً لَهُ يكون دَاخِلا تَحت الْإِسْنَاد، وَإِن كَانَ مقول البُخَارِيّ يكون تَعْلِيقا مِنْهُ. وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا قَالَه أَبُو قلَابَة استنباطاً، ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ مَوْقُوفا على أبي قلَابَة كَمَا توهمه بَعضهم. قلت: كَلَامه متناقض لَا يخفى. قَوْله: (سرقوا) إِنَّمَا أطلق عَلَيْهِم سراقاً لِأَن أَخذهم اللقَاح سَرقَة لكَونه من حرز بِالْحَافِظِ. قَوْله: (وحاربوا الله وَرَسُوله) وَأطلق عَلَيْهِم محاربين لما ثَبت عِنْد أَحْمد من رِوَايَة حميد عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي أصل الحَدِيث، وهربوا محاربين.

٢٣٤ - حدّثنا آدَمُ قالَ حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخبرنَا أبُو النَّيَّاحِ يَزِيدُ بنُ حُمَيْدٍ أَنَسٍ قالَ كانَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي قَبْلَ أنْ يُبْنَى المَسْجِدُ فِي مَرَابِض الغَنَمِ..

هَذَا أحد حَدِيثي الْبَاب، وَهُوَ مُطَابق لآخر التَّرْجَمَة.

بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة: آدم بن أبي اياس، وَشعْبَة بن

<<  <  ج: ص:  >  >>