بَيَان تعدد مَوْضِعه من أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ كَمَا ترى عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة. وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن ابْن عجلَان عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه: (نهى أَن يبال فِي المَاء الراكد) . وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَابْن مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الناقع) .
بَيَان لغته وَمَعْنَاهُ قَوْله: (وَنحن الْآخرُونَ) بِكَسْر الْحَاء جمع الآخر، بِمَعْنى الْمُتَأَخر، يذكر فِي مُقَابلَة الأول، وَبِفَتْحِهَا جمع الآخر، أفعل التَّفْصِيل، وَهَذَا الْمَعْنى أَعم من الأول، وَالرِّوَايَة بِالْكَسْرِ فَقَط، وَمَعْنَاهُ نَحن الْمُتَأَخّرُونَ فِي الدُّنْيَا المتقدمون فِي يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (وبإسناده) الضَّمِير يرجع إِلَى الحَدِيث أَي: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله: (لَا يبولن) ، بِفَتْح اللَّام وبنون التَّأْكِيد الثَّقِيلَة. وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (لَا يَبُول) ، بِغَيْر نون التَّأْكِيد. قَوْله: (فِي المَاء الدَّائِم) من دَامَ الشَّيْء يَدُوم ويدام، قَالَ الشَّاعِر:
(يَا مي لَا غرو وَلَا ملاماً ... فِي الْحبّ أَن الْحبّ لن يداما)
وديماً ودواماً وديمومة قَالَه ابْن سَيّده وَأَصله الاستدارة، وَذَلِكَ أَن أَصْحَاب الهندسة يَقُولُونَ إِن المَاء إِذا كَانَ بمَكَان فَإِنَّهُ يكون مستديراً فِي الشكل، وَيُقَال الدَّائِم الثَّابِت الْوَاقِف الَّذِي لَا يجْرِي. وَقَوله: (لَا يجْرِي) إِيضَاح لمعناه وتأكيد لَهُ وَيُقَال: الدَّائِم الراكد، جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: وَفِي (تَارِيخ نيسابور) المَاء الراكد الدَّائِم. وَيُقَال: احْتَرز بقوله: (الَّذِي لَا يجْرِي) عَن راكد يجْرِي بعضه، كالبرك وَقيل: احْتَرز بِهِ عَن المَاء الدائر لِأَنَّهُ جَار من حَيْثُ الصُّورَة، سَاكن من حَيْثُ الْمَعْنى. قَوْله: (ثمَّ يغْتَسل) يجوز فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْجَزْم عطفا على: (لَا يبولن) لِأَنَّهُ مجزوم الْموضع بِلَا الَّتِي للنَّهْي، وَلكنه بني على الْفَتْح لتوكيده بالنُّون. وَالرَّفْع: تَقْدِير ثمَّ هُوَ يغْتَسل فِيهِ. وَالنّصب: على إِضْمَار أَن وَإِعْطَاء، ثمَّ حكم وَاو الْجمع وَنَظِيره فِي الْأَوْجه الثَّلَاثَة قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت} (النِّسَاء: ١٠٠) إغاثة قرىء بِالْجَزْمِ، وَهُوَ الَّذِي قرأنه السَّبْعَة، وبالرفع وَالنّصب على الشذوذ وَقَالَ النَّوَوِيّ لَا يجوز النصب لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن الْمنْهِي عَنهُ الْجمع بَينهمَا دون إِفْرَاد أَحدهمَا. وَهَذَا لم يقلهُ أحد، بل الْبَوْل فِيهِ مَنْهِيّ عَنهُ سَوَاء أَرَادَ الِاغْتِسَال فِيهِ أَو مِنْهُ أم لَا، وَلَا يَقْتَضِي الْجمع إِذْ لَا يُرِيد بتشبيه، ثمَّ بِالْوَاو المشابهة من جَمِيع الْوُجُوه بل جَوَاز النصب بعده فَقَط سلمنَا لَكِن لَا يضر إِذْ كَون الْجمع يعلم من حَقنا وَكَون الْأَفْرَاد مَنْهِيّا من دَلِيل آخر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق} (الْبَقَرَة: ٤٢) على تَقْدِير النصب. قَوْله: (فِيهِ) أَي: فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي، وَتفرد البُخَارِيّ بِلَفْظ فِيهِ، أَو فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد (ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ) كَمَا فِي رِوَايَة غَيره مِنْهُ بِكَلِمَة من وَلَك وَاحِد من اللَّفْظَيْنِ يُفِيد حكما بِالنَّصِّ، وَحكما بالاستنباط.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: احْتج بِهِ أَصْحَابنَا. أَن المَاء الَّذِي لَا يبلغ الغدير الْعَظِيم إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة لم يجز الْوضُوء بِهِ، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا، وعَلى أَن الْقلَّتَيْنِ تحمل النَّجَاسَة لِأَن الحَدِيث مُطلق فبإطلاقه يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير، والقلتين وَالْأَكْثَر مِنْهُمَا. وَلَو قُلْنَا: إِن الْقلَّتَيْنِ لَا تحمل النَّجَاسَة لم يكن للنَّهْي فَائِدَة على أَن هَذَا أصح من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ وَقَالَ ابْن قدامَة وَدَلِيلنَا حَدِيث الْقلَّتَيْنِ، وَحَدِيث بِئْر بضَاعَة، وَهَذَانِ نَص فِي خلاف مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة وَقَالَ أَيْضا بِئْر بضَاعَة لَا تبلغ إِلَى الْحَد الَّذِي يمْنَع التنجس عِنْدهم قلت: لَا نسلم أَن هذَيْن الْحَدِيثين نصر فِي خلاف مَذْهَبنَا، أما حَدِيث الْقلَّتَيْنِ فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ بَعضهم صَححهُ فَإِنَّهُ مُضْطَرب سنداً ومتناً والقلة فِي نَفسهَا مَجْهُولَة وَالْعَمَل بِالصَّحِيحِ الْمُتَّفق عَلَيْهِ أقوى وَأقرب وَأما حَدِيث بِئْر بضَاعَة فَإنَّا نعمل بِهِ فَإِن ماءها كَانَ جَارِيا وَقَوله: وبئر بضَاعَة لَا تبلغ إِلَى آخِره غير صَحِيح لِأَن الْبَيْهَقِيّ رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَن بِئْر بضَاعَة كَانَت كَثِيرَة المَاء وَاسِعَة، وَكَانَ يطْرَح فِيهَا من الأنجاس مَا لَا يُغير لَهَا لوناً وَلَا ريحًا وَلَا طعماً فَإِن قَالُوا: حديثكم عَام فِي كل مَاء، وحديثنا خَاص فِيمَا يبلغ الْقلَّتَيْنِ، وَتَقْدِيم الْخَاص على الْعَام مُتَعَيّن، كَيفَ وحديثكم لَا بُد من تَخْصِيصه، فَإِنَّكُم وافقتمونا على تَخْصِيص المَاء الْكثير الَّذِي يزِيد على عشرَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute