للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا تعسف وَهُوَ أَيْضا حجَّة عَلَيْهِ، مَعَ أَن مَا ذكره خلاف الأَصْل، وَالصَّوَاب أَن الْوَاو للْجمع فِي أصل الْوَضع، وَالْمعْنَى: أَنه جمع بَين الْوضُوء وَغسل الْفرج، وَهُوَ، وَإِن كَانَ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيم أَحدهمَا على الآخر على التَّعْيِين، فقد بَين ذَلِك فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ، فَذكر أَولا غسل الْيَدَيْنِ ثمَّ غسل الْفرج ثمَّ مسح يَده على الْحَائِط ثمَّ الْوضُوء غير رجلَيْهِ وَذكره ب ثمَّ، الدَّالَّة على التَّرْتِيب فِي جَمِيع ذَلِك، وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا قَوْله: (وَمَا أَصَابَهُ من الْأَذَى) أَي: المستقذر الطَّاهِر، وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (وَمَا أَصَابَهُ من الْأَذَى) لَيْسَ بِظَاهِر فِي النَّجَاسَة. قلت: هَذَا مُكَابَرَة فِيمَا قَالَه. قَوْله: (هَذَا غسله) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَهِي على الأَصْل، وَعند غَيره (هَذِه غسله) بالتأنيث، فَيكون إشار إِلَى الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة أَي: الْأَفْعَال الْمَذْكُور صفة غسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضَم الْغَيْن.

وَمِمَّا لم يذكر فِي حَدِيث عَائِشَة، وَذكر فِي حَدِيث مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، من الزِّيَادَة: تَأْخِير الرجلَيْن إِلَى الْفَرَاغ من الِاغْتِسَال، وَقد ذكرنَا عَن قريب. وَفِيه: التَّعَرُّض لغسل الْفرج. وَفِيه: غسل مَا أَصَابَهُ من الْأَذَى وَمِمَّا ذكره البُخَارِيّ من حَدِيث مَيْمُونَة على مَا يَأْتِي: (ثمَّ ضرب بِشمَالِهِ الأَرْض فدلكها دلكا شَدِيدا، ثمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ أفرغ على رَأسه ثَلَاث حفنات ملْء كَفه) وَفِي آخِره: (ثمَّ أَتَى بالمنديل فَرده) ، وَفِي رِوَايَة (وَجعل يَقُول بِالْمَاءِ هَكَذَا ينْقضه) . وَفِي لفظ. (ثمَّ غسر فرجه ثمَّ مَال بِيَدِهِ إِلَى الأَرْض فمسحها بِالتُّرَابِ ثمَّ غسلهَا) وَفِي لفظ (وضعت لَهُ غسلا فَسترته بِثَوْب) وَفِي لفظ: (فأكفا بِيَمِينِهِ على شِمَاله مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) وَفِي لفظ: (ثمَّ أفرغ بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَغسل مذاكيره) وَفِيه (ثمَّ غسل رَأسه ثَلَاثًا) وَفِي لفظ: (فَلَمَّا فرغ من غسل غسل رجلَيْهِ) ، وَفِي لفظ: (فَغسل كفيه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) وَعند مُسلم: (فَغسل فرجه وَمَا أَصَابَهُ ثمَّ مسخ يَده بِالْحَائِطِ أَو الأَرْض) ، وَفِي (صَحِيح) الإسماعيل: (مسح يَده بالجدار، وَحين قضى غسله غسل رجلَيْهِ) وَفِي لفظ: (فَلَمَّا أفرغ من غسل فرجه ذَلِك يَده بِالْحَائِطِ ثمَّ غسلهَا، فَلَمَّا فرغ من غسلهَا غسل قَدَمَيْهِ) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَقد بَين زَائِدَة أَن قَوْله: (من الْجَنَابَة) ، لَيْسَ من قَول مَيْمُونَة وَلَا ابْن عَبَّاس، إِنَّمَا هُوَ عَن سَالم، وَعند ابْن خُزَيْمَة (ثمَّ أفرغ على رَأسه ثَلَاث حفنات ملْء كفيه، فَأتى بمنديل فَأبى أَن يقبله) وَعند أبي عَليّ الطوسي فِي كتاب (الْأَحْكَام) مصححاً (فأنيته بِثَوْب فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا) وَعند الدَّارَقُطْنِيّ: (ثمَّ غسل سَائِر جسده قبل كفيه) وَعند أبي مُحَمَّد الدَّارمِيّ: (فأعطيته ملحفة فَأبى) قَالَ أَبُو مُحَمَّد: هَذَا أحب إِلَيّ من حَدِيث عَائِشَة. وَعند ابْن مَاجَه: (فأكفا الْإِنَاء بِشمَالِهِ على يَمِينه فَغسل كفيه ثَلَاثًا، ثمَّ أَفَاضَ على فرجه ثمَّ دلك يَده بِالْأَرْضِ ثمَّ تمضمض واستنشق وَغسل وَجهه ثَلَاثًا وذراعيه ثَلَاثًا، ثمَّ أَفَاضَ على سَائِر جسده، ثمَّ انتحى فَغسل رجلَيْهِ) .

وَفِي هَذِه الرِّوَايَات. إستحباب الإفراغ بِالْيَمِينِ على الشمَال للمغترف من المَاء. وفيهَا: مَشْرُوعِيَّة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي غسل الْجَنَابَة. وَقَالَ بَعضهم: وَتمسك الْحَنَفِيَّة لِلْقَوْلِ: بوجوبهما، وَتعقب بِأَن الْفِعْل الْمُجَرّد لَا يدل على الْوُجُوب إلَاّ إِذا كَانَ بَيَانا لمجمل تعلق بِهِ الْوُجُوب، وَلَيْسَ الْأَمر هُنَا كَذَلِك. قلت: لَيْسَ الْأَمر هُنَا كَذَلِك لأَنهم أَنما أوجبوهما فِي الْغسْل بِالنَّصِّ لقَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} (سُورَة الْمَائِدَة: ٦) أَي: طهروا أبدانكم، وَهَذَا يَشْمَل الْأنف والفم، وَقد حققناه فِيمَا مضى. وفيهَا: اسْتِحْبَاب مسح الْيَد بِالتُّرَابِ فِي الْحَائِط وَفِي الأَرْض، وَقَالَ بَعضهم: وَأبْعد من اسْتدلَّ بِهِ على نجاس الْمَنِيّ أَو على نَجَاسَة رُطُوبَة الْفرج. قلت: هَذَا الْقَائِل هُوَ الَّذِي أبعده، لِأَن من اسْتدلَّ بِنَجَاسَة الْمَنِيّ أَو على نَجَاسَة رُطُوبَة الْفرج مَا اكْتفى بِهَذَا فِي احتجاجه، وَقد ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى مستقصى. وفيهَا: اسْتِحْبَاب التستر فِي الْغسْل وَلَو كَانَ فِي الْبَيْت. وفيهَا: جَوَاز الِاسْتِعَانَة بإحضار مَاء الْغسْل أَو الْوضُوء. وفيهَا: خدمَة الزَّوْجَات للأزواج. وفيهَا: الصب بِالْيَمِينِ على الشمَال. وفيهَا: كَرَاهَة التنشيف بالمنديل وَنَحْوه.

وَقَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على خَمْسَة أوجه أشهرها: أَن الْمُسْتَحبّ تَركه، وَقيل: مَكْرُوه وَقيل مُبَاح وَقيل مُسْتَحبّ وَقيل مَكْرُوه فِي الصَّيف مُبَاح فِي الشتَاء، وَيُقَال لَا حجَّة فِي الحَدِيث لكَرَاهَة التنشيف لاحْتِمَال أَن إباءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَخذ مَا يتنشف بِهِ لأمر آخر يتَعَلَّق بالخرقة، أَو لكَونه كَانَ مستعجلاً أَو غير ذَلِك. وَقَالَ الْمُهلب: يحْتَمل تَركه الثوبة لإبقاء تَركه بَلل المَاء أَو للتواضع أَو لشَيْء رَآهُ فِي الثَّوْب من حَرِير أَو وسخ وَقد وَقع عِنْد أَحْمد والإسماعيلي من رِوَايَة أبي عوَانَة فِي هَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْمَش، قَالَ فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، فَقَالَ: لَا بَأْس بالمنديل وَإِنَّمَا رده مَخَافَة أَن يصير عَادَة وَقَالَ التَّيْمِيّ فِي شَرحه لهَذَا الحَدِيث فِيهِ دَلِيل على أَنه كَانَ يتنشف، وَلَوْلَا ذَلِك لم يَأْته بالمنديل. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد، نفضه المَاء بِيَدِهِ يدل على أَن لَا كَرَاهَة فِي التنشيف، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا إِزَالَة قلت: لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على ذَلِك، لِأَن التنشيف من عَادَة المتكبرين ورده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّوْب لأجل التَّوَاضُع مُخَالفَة لَهُم.

وَقد ورد أَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>