وَهَذَا يُعَارض مَا ذكره من اعْترف. قلت: حملُوا هَذَا على مَا إِذا كَانَ بِيَدِهِ قدر، تَوْفِيقًا بَين الأثرين، وَقَالَ بَعضهم: لأ غسل للنَّدْب وَترك للْجُوَاز. قلت: كَيفَ يكون تَركه للْجُوَاز إِذا كَانَ بِيَدِهِ قذر؟ وَإِن لم يكن فَلَا يضر، فَلم يحصل التَّوْفِيق بَينهمَا بِمَا ذكره هَذَا الْقَائِل، وَهَذَا الْأَثر من أقوى الدَّلَائِل لمن ذهب من الْحَنَفِيَّة إِلَى نَجَاسَة المَاء الْمُسْتَعْمل فَافْهَم.
الرَّابِع: فِي مَعْنَاهُ، فَقَوله: (يَده) أَي أَدخل كل وَاحِد مِنْهُمَا يَده وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت (يديهما) بالتثنية على الأَصْل وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض النّسخ يديهما.
بَينهمَا وَلم يغسلاهما ثمَّ تَوَضَّأ بالتثنية فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاث. قَوْله: (فِي الطّهُور) بِفَتْح الطَّاء، وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ فِي الْوضُوء والاغتسال.
الْخَامِس: فِي حكم هَذَا الْأَثر. وَهُوَ جَوَاز إِدْخَال الْجنب يَده فِي إِنَاء المَاء قبل أَن يغسلهما إِذا لم يكن عَلَيْهَا نَجَاسَة حَقِيقِيَّة. وَقَالَ الشّعبِيّ: كَانَ الصَّحَابَة يدْخلُونَ أَيْديهم المَاء قبل أَن يغسلوها وهم جنب، وَكَذَلِكَ النِّسَاء، وَلَا يفْسد ذَلِك بَعضهم على بعض، وَرُوِيَ نَحوه عَن ابْن سِيرِين وَعَطَاء وَسَالم وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن أبي جُبَير وَابْن الْمسيب.
وَلَمْ يَرَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبَّاسٍ بَأْساً بِما يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ
وجد مُطَابقَة هَذَا الْأَثر بالتعسف كَمَا يَأْتِي، وَهُوَ من حَيْثُ إِن المَاء الَّذِي يدْخل الْجنب يَده فِيهِ لَا ينجس إِذا كَانَت طَاهِرَة فَكَذَلِك انتشار المَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ الْجنب فِي إنائه لِأَن فِي تنجيسه مشقة أَلا ترى كَيفَ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: وَمن يملك انتشار المَاء؟ فَإنَّا لنَرْجُو من رَحْمَة الله مَا هُوَ أوسع من هَذَا إِمَّا أثر ابْن عمر فوصله عبد الرَّزَّاق بِمَعْنَاهُ، وَأما أثر ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن الْعَلَاء بن الْمسيب عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن عَبَّاس فِي الرجل يغْتَسل من الْجَنَابَة فينتضح فِي إناثه من غسله فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ، وَهُوَ مُنْقَطع فِيمَا بَين إِبْرَاهِيم وَابْن عَبَّاس وَرُوِيَ مثله عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن فِيمَا حَكَاهُ ابْن بطال عَنْهُم، وَيقرب من ذَلِك مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى، فِيمَن كَانَ يُصَلِّي فاناتضح عَلَيْهِ الْبَوْل أَكثر من قدر الدِّرْهَم، فَإِنَّهُ لَا يفْسد صلَاته بل يتَصَرَّف وَيغسل ذَلِك وَيَبْنِي على صلَاته.
٢٦١ - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْلَمَة قَالَ أخبرنَا أَفْلَحُ عَن القاسِمِ عَن عائِشَةَ قالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنا وَالنَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ إنَاء وَاحدٍ تَخْتَلِفُ أَيْد ينَا فِيهِ..
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ جَوَاز إِدْخَال الْجنب فِي الْإِنَاء قبل أَن يغسلهَا إِذا لم يكن عَلَيْهَا قذر يدل عَلَيْهِ من قَوْله عَائِشَة: (تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ وتلتقي) وَاخْتِلَاف الْأَيْدِي فِي الْإِنَاء لَا يكون إلَاّ بعد الإدخال، فَدلَّ ذَلِك على أَنه لَا يفْسد المَاء فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُقَيّدَة، وَهَذَا الحَدِيث مُطلق. قلت: الْقَيْد الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة مراعى فِي الحَدِيث للقرينة الدَّالَّة على ذَلِك، شَأْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشأن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أجل من أَن يدخلا أَيْدِيهِمَا فِي أناء المَاء، وعَلى أَيْدِيهِمَا مَا يفْسد المَاء، وَحَدِيث هِشَام الَّذِي يَأْتِي عَن قريب أقوى الْقَرَائِن على ذَلِك وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق فِي الْموضع، لَا مَا ذكره الْكرْمَانِي، إِن ذَلِك ندب وَهُوَ جَائِز. ثمَّ اعْلَم أَن البُخَارِيّ أخرج فِي هَذَا الْبَاب أَرْبَعَة أَحَادِيث. فمطابقة الحَدِيث الأول: للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا. وَالثَّانِي: مُفَسّر للْأولِ على مَا نذكرهُ. وَالثَّالِث وَالرَّابِع: وَإِن لم يذكر فيهمَا غسل الْيَد، ولكنهما محمولان على معنى الحَدِيث الثَّانِي وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ للتطابق، وَلَا معنى لتطويل الْكَلَام بِدُونِ فَائِدَة نافعة، كَمَا ذكره غير مرّة، وَابْن الْمُنِير وَغَيرهمَا.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الله بن مسلمة، بِفَتْح الميمين. والقعنبي، وَقد تقدم ذكره غير مرّة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: حَدثنَا عبد الله بن مسملة بن قعنب. الثَّانِي: أَفْلح بن حميد بِضَم الْحَاء الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَقد وَقع فِي نسختنا الصَّحِيحَة هَكَذَا، أَفْلح بن حميد، بِذكر أَبِيه حميد، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي أَكثر النّسخ: أَفْلح، غير مَنْسُوب، وَهُوَ ابْن حميد بِلَا خلاف، وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ غَيره، وَأخرج بِهِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَفِي مُسلم: أَفْلح بن سعيد، وأفلح عَن مَوْلَاهُ، وَفِي النَّسَائِيّ: أَفْلح الْهَمدَانِي، وَالأَصَح أَبُو أَفْلح بن سعيد السَّابِق، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْكتب سواهُم. الثَّالِث: الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. الرَّابِع: عَائِشَة الصديقة.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة فِي مَوضِع وَاحِد لِأَن فِي روايتهما حَدثنَا عبد الله بن مسلمة أخبرنَا أَفْلح. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كدنيون، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة وَابْن حبَان من