للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا خطأ مثل مَا قَالَ مُعظم أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن، وَيكون الْخَطَأ من بعض الروَاة أَو من عوام الْمُحدثين لَا من عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْلهَا: (وَأَنا حَائِض) فِي الْمَوْضِعَيْنِ جملَة حَالية، وَكَذَلِكَ قَوْلهَا: (وَهُوَ معتكف) الِاعْتِكَاف فِي اللُّغَة مُجَرّد اللّّبْث، وَفِي الشَّرِيعَة: لبث فِي الْمَسْجِد مَعَ الصَّوْم، وَالِاعْتِكَاف من بَاب الافتعال من: عكف يعكف عكوفاً إِذا أَقَامَ، وعكفه عكفاً إِذا حبس.

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: جَوَاز اغتسال الرجل مَعَ امْرَأَته من إِنَاء وَاحِد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. وَمِنْهَا: جَوَاز مُبَاشرَة الْحَائِض وَهِي: الْمُلَامسَة، من لمس بشرة الرجل بشرة الْمَرْأَة، وَقد ترد الْمُبَاشرَة بِمَعْنى الْجِمَاع، وَالْمرَاد هَهُنَا الْمَعْنى الأول بِالْإِجْمَاع.

ثمَّ اعْلَم أَن مُبَاشرَة الْحَائِض على أَقسَام: أَحدهَا: حرَام بِالْإِجْمَاع، وَلَو اعْتقد حلّه يكفر، وَهُوَ أَن يُبَاشِرهَا فِي الْفرج عَامِدًا، فَإِن فعله غير مستحل يسْتَغْفر الله تَعَالَى وَلَا يعود إِلَيْهِ، وَهل يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة أَو لَا؟ فِيهِ خلاف، فَذهب جمَاعَة إِلَى وجوب الْكَفَّارَة، مِنْهُم: قَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَقَالَ فِي الْجَدِيد: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَا يُنكر أَن يكون فِيهِ كَفَّارَة لِأَنَّهُ وَطْء مَحْظُور كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَان. وَقَالَ أَكثر الْعلمَاء، لَا شَيْء عَلَيْهِ سوى الاسْتِغْفَار، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا أَيْضا. وَقَالَ الثَّوْريّ: وَلَو فعله غير مُعْتَقد حلّه، فَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا بِوُجُود الْحيض أَو جَاهِلا تَحْرِيمه أَو مكْرها فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة، وَإِن كَانَ عَالما بِالْحيضِ وبالتحريم مُخْتَارًا عَامِدًا فقد ارْتكب مَعْصِيّة نَص الشَّافِعِي على أَنَّهَا كَبِيرَة، وَيجب عَلَيْهِ التَّوْبَة وَفِي وجوب الْكَفَّارَة قَولَانِ: أصَحهمَا، وَهُوَ قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة، فَقيل: عتق رَقَبَة، وَقيل: دِينَار وَنصف دِينَار على اخْتِلَاف بَينهم، هَل الدِّينَار فِي أول الدَّم وَنصفه فِي آخِره؟ أَو الدِّينَار فِي زمن الدَّم وَنصفه بعد انْقِطَاعه؟ فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض، قَالَ: (يتَصَدَّق بِدِينَار أَو بِنصْف دِينَار) وَرَوَاهُ بَقِيَّة الْأَرْبَعَة: قلت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأعله بأَشْيَاء: مِنْهَا: أَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن شُعْبَة، مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس، وَأَن شُعْبَة رَجَعَ عَن رَفعه، وَمِنْهَا: أَنه رُوِيَ مُرْسلا. وَمِنْهَا: أَنه رُوِيَ معضلاً، وَهُوَ رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن يزِيد بن أبي مَالك عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أمرت أَن يتَصَدَّق بخمسي دِينَار) ، والمعضل نوع خَاص من الْمُنْقَطع، فَكل معضل مُنْقَطع، وَلَيْسَ كل مُنْقَطع معضلاً، وَقوم يسمونه مُرْسلا، وَمِنْهَا: أَن فِي مَتنه اضطراباً، لِأَنَّهُ رُوِيَ: بِدِينَار، أَو نصف دِينَار على الشَّك، وَرُوِيَ: يتَصَدَّق بدينارد فَإِن لم يجد فبنصف دِينَار، وَرُوِيَ: يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار، وَرُوِيَ: إِن كَانَ دَمًا أَحْمَر فدينار، وَإِن كَانَ أصفر فَنصف دِينَار، وَرُوِيَ: إِن كَانَ الدَّم عبيطاً فليتصدق بِدِينَار، وَإِن كَانَ صفرَة فَنصف دِينَار. قلت: هَذَا الحَدِيث صَححهُ الْحَاكِم وَابْن الْقطَّان، وَذكر الْحَلَال عَن أبي دَاوُد أَن أَحْمد قَالَ: مَا أحسن حَدِيث عبد الحميد، وَهُوَ أحد رُوَاة هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب بن نفَيْل الْقرشِي الْهَاشِمِي الْعَدوي، عَامل عمر بن عبد الْعَزِيز على الْكُوفَة، رأى عبد الله بن عَبَّاس وَسَأَلَهُ، وروى عَن حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل لِأَحْمَد: تذْهب إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، إِنَّمَا هُوَ كَفَّارَة، ثمَّ إِن شُعْبَة إِن كَانَ رَجَعَ عَن رَفعه فَإِن غَيره رَوَاهُ مَرْفُوعا، وَهُوَ عَمْرو بن قيس الْملَائي وَهُوَ ثِقَة، وَمن طَرِيقه أخرجه النَّسَائِيّ، وَكَذَا رَوَاهُ قَتَادَة مَرْفُوعا وأسقطا فِي روايتهما عبد الحميد، وَمُقْتَضى الْقَوَاعِد أَن رِوَايَة الرّفْع أشبه بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ زِيَادَة ثِقَة، وَأما مَا لاوي فِيهِ من خمسي دِينَارا، أَو عتق نسمَة، وَغير ذَلِك، فَمَا مِنْهَا شَيْء يعول عَلَيْهِ، ثمَّ إِن الَّذين ذَهَبُوا إِلَى عدم وجوب الصَّدَقَة، أجابوا أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يتَصَدَّق) ، مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب، إِن شَاءَ تصدق وإلَاّ لَا وَعَن الْحسن أَنه قَالَ: عَلَيْهِ مَا على من وَاقع أَهله فِي رَمَضَان.

النَّوْع الثَّانِي من الْمُبَاشرَة: فِيمَا فَوق السُّرَّة وَتَحْت الرّكْبَة بالذكرة أَو بالقبلة أَو المعانقة أَو اللَّمْس أَو غَيره ذَلِك، فَهَذَا حَلَال بِالْإِجْمَاع، إلَاّ مَا حُكيَ عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي وَغَيره من أَنه لَا يُبَاشر شَيْئا مِنْهَا، فَهُوَ شَاذ مُنكر مَرْدُود بالأحاديث الصَّحِيحَة الْمَذْكُورَة فِي (الصَّحِيحَيْنِ) وَغَيرهمَا فِي مُبَاشرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوق الْإِزَار.

النَّوْع الثَّالِث: الْمُبَاشرَة فِيمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فِي غير الْقبل والدبر، فَعِنْدَ أبي حنيفَة حرَام، وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف، وَهُوَ الْوَجْه الصَّحِيح للشَّافِعِيَّة، وَهُوَ قَول مَالك: وَقَول أَكثر الْعلمَاء مِنْهُم: سعيد بن الْمسيب وَشُرَيْح وَطَاوُس وَعَطَاء وَسليمَان بن يسَار وَقَتَادَة. وَعند مُحَمَّد بن الْحسن وَأبي يُوسُف فِي رِوَايَة يتَجَنَّب شعار الدَّم

<<  <  ج: ص:  >  >>