فِي الْحَائِض وَالْجنب: يستفتحون رَأس الْآيَة وَلَا يتمون آخرهَا. وَفِي قَول: يكره قِرَاءَة الْقُرْآن للْجنب، وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع عَن شُعْبَة بن حَمَّاد أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: يقْرَأ الْجنب الْقُرْآن قَالَ: فَذَكرته لإِبْرَاهِيم فكرهه. وَفِي قَول: يقْرَأ مَا دون الْآيَة وَلَا يقْرَأ آيَة تَامَّة وروى ابْن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: يقْرَأ مَا دون الْآيَة: وَلَا يقْرَأ آيَة تَامَّة وَفِي قَوْله: يقْرَأ الْقُرْآن مَا لم يكن جنبا، وَحدثنَا وَكِيع عَن شُعْبَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عمر قَالَ: تقْرَأ الْحَائِض الْقُرْآن.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسِ بالقِرَاءَةِ لَلْجُنُبِ بَأْساً
هَذَا الْأَثر وَصله ابْن الْمُنْذر بِلَفْظ: أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرَأ ورده وَهُوَ جنب. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا الثَّقَفِيّ عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يقْرَأ الْجنب الْآيَة والآيتين، وَكَانَ أَحْمد يرخص للْجنب أَن يقْرَأ الْآيَة وَنَحْوهَا، وَبِه قَالَ مَالك: وَقد حكى عَنهُ أَنه قَالَ: تقْرَأ الْحَائِض وَلَا يقْرَأ الْجنب لِأَن الْحَائِض إِذا لم تقْرَأ نسيت الْقُرْآن، لِأَن أَيَّام الْحَائِض تتطاول وَمُدَّة الْجَنَابَة لَا تطول.
وكانَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَذْكُرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ أَحْيَائِهِ
هَذَا حَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: يرْوى على كل أَحْوَاله وَأَرَادَ البُخَارِيّ بإيراد هَذَا، وَبِمَا ذكره فِي هَذَا الْبَاب، الِاسْتِدْلَال على جَوَاز قِرَاءَة الْجنب وَالْحَائِض، لِأَن الذّكر أَعم من أَن يكون بِالْقُرْآنِ أَو بِغَيْرِهِ، وَبِه قَالَ الطَّبَرِيّ وَابْن الْمُنْذر وَدَاوُد.
وقالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ يَخْرُجَ الحَيَّضُ فَيَكُبرنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي أَبْوَاب الْعِيدَيْنِ فِي أَيَّام التَّكْبِير: أَيَّام مني، وَإِذا غَدا إِلَى عَرَفَة حَدثنَا مُحَمَّد، قَالَ حَدثنَا عمر ابْن حَفْص، قَالَ: حَدثنَا أبي عَن عَاصِم عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (كُنَّا نؤمر أَن نخرج يَوْم الْعِيد، حَتَّى تخرج الْبكر من خدرها، وَحَتَّى تخرج الْحيض، فيكنَّ خلف النَّاس فيكبرنَّ بتكبيرهم، ويدعونَ بدعائهم يرجون بركَة ذَلِك الْيَوْم وطهرته) ، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي بَاب خُرُوج النِّسَاء الْحيض إِلَى الْمصلى على مَا يَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَوجه الِاسْتِدْلَال بِهِ مَا ذَكرْنَاهُ من أَنه لَا فرق بَين الذّكر والتلاوة، لِأَن الذّكر أَعم. وَقَالَ بَعضهم: وَيدعونَ، كَذَا الْأَكْثَر الروَاة، وللكشميهني: يدعين، بياء تَحْتَانِيَّة بدل الْوَاو. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره مُخَالف لقواعد التصريف، لِأَن هَذِه الصِّيغَة معتل الْأُم من ذَوَات الْوَاو، ويستوى فِيهَا لفظ جمَاعَة الذُّكُور وَالْإِنَاث فِي الْخطاب والغيبة جَمِيعًا.
وَفِي التَّقْدِير مُخْتَلف، فوزن الْجمع الْمُذكر: يقعون، وَوزن الْجمع الْمُؤَنَّث يفعلن، وَسَيَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِي مَوضِع، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
{وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَني أبُو سُفْيَانَ أنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتابِ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمان الرَّحِيمِ وَيَا أَهْلَ الكِتابِ تَعَالُوا إِلَى كَلِمَةٍ الآيَةَ} (سُورَة آل عمرَان: ٦٤)
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث أبي سُفْيَان فِي قصَّة هِرقل: وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي بَدْء الْوَحْي وَغَيره، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، قَالَ: أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ (أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش إِلَى أَن قَالَ: ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بعث بِهِ دحْيَة الْكَلْبِيّ إِلَى عَظِيم بصرى، فَدفعهُ إِلَى هِرقل فقرأه، فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم من مُحَمَّد ابْن عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم، سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد، فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ، فَإِن توليت فَعَلَيْك إِثْم الأريسين. {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَى الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا أشهدوا بِأَنا مُسلمُونَ} .
وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وسلمكتب إِلَى الرّوم وهم كفار، وَالْكَافِر جنب، كَأَنَّهُ يَقُول: إِذا جَازَ مس الْكتاب للْجنب مَعَ كَونه مُشْتَمِلًا على آيَتَيْنِ، فَكَذَا يجوز لَهُ قِرَاءَته، وَالْحَاصِل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث للْكفَّار الْقُرْآن مَعَ أَنهم غير ظَاهِرين، فجوز مسهم وقراءتهم لَهُ، فَدلَّ على جَوَاز الْقِرَاءَة للْجنب.