وكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عائشَةَ بالدُّرْجَةِ فِيها الكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةَ فَتَقُولُ لَا تعْجَلْنَ حتَّى تَرَيْنَ القَصةَ البَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الحَيْضَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا: (حَتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء) ، فَإِنَّهَا عَلامَة إدبار الْحيض، وَهَذَا الْأَثر ذكره مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) فَقَالَ: عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة، عَن أمه مولاة عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: (كَانَ النِّسَاء يبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَة بالدرجة فِيهَا الكرسف فِيهَا الصُّفْرَة من دم الْحيض يسألنها عَن الصَّلَاة فَتَقول لَهُنَّ: لَا تعجلن حَتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء، تُرِيدُ الطُّهْر من الْحَيْضَة) . وَقَالَ ابْن حزم: خولفت أم عَلْقَمَة بِمَا هُوَ أقوي من رِوَايَتهَا، وَاسم: أم عَلْقَمَة، مرْجَانَة سَمَّاهَا ابْن حبَان فِي (كتاب الثِّقَات) . وَقَالَ الْعجلِيّ: مَدَنِيَّة تابعية ثِقَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : كَذَا ذكره البُخَارِيّ هُنَا مُعَلّقا مَجْزُومًا، وَبِه تعلق النَّوَوِيّ فَقَالَ: هَذَا تَعْلِيق صَحِيح لِأَن البُخَارِيّ ذكره بِصِيغَة الْجَزْم، وَمَا علم أَن هَذِه الْعبارَة قد لَا تصح كَمَا سبق بَيَانه فِي كثير من التَّعْلِيق المجزوم بِهِ عِنْد البُخَارِيّ، وَلَو نظر كتاب (الْمُوَطَّأ) لمَالِك بن أنس لوجده قد قَالَ: عَن علقمةِ إِلَى آخِره، وَلَو وجده ابْن حزم لما قَالَ: خولفت أم عَلْقَمَة بِمَا هُوَ أقوى من رِوَايَاتهَا. قلت: حَاصِل كَلَامه أَنه يرد على النَّوَوِيّ فِي دَعْوَاهُ الْجَزْم بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْن الْحصار: هَذَا حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ من غير تَقْيِيد.
قَوْله: (وَكن نسَاء) ، بِصِيغَة الْجمع للمؤنث، وَفِيه ضمير يرجع إِلَى النِّسَاء، وَيُسمى مثل هَذَا الضَّمِير بالضمير الْمُبْهم، وَجوز ذَلِك بِشَرْط أَن يكون مشعرا بِمَا بعده، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يُقَال: إِنَّه إِضْمَار قبل الذّكر. قَوْله: (نسَاء) ، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ بدل من الضَّمِير الَّذِي فِي: ركن، وَهَذَا على لُغَة: أكلوني البراغيث. وَفَائِدَة ذكره بعد أَن علم من لفظ كن إِشَارَة إِلَى التنويع، والتنوين فِيهِ يدل عَلَيْهِ. وَالْمرَاد أَن ذَلِك كَانَ من بَعضهنَّ لَا من كُلهنَّ. وَقَالَ بَعضهم: والتنكير فِي النِّسَاء للتنويع. قلت: إِن لم يكن هَذَا مُصحفا من النَّاسِخ فَهُوَ غلط لِأَنَّهُ ماثم كسر فِي النِّسَاء، وَإِنَّمَا فِيهِ الرّفْع كَمَا ذكرنَا، أَو النصب على الِاخْتِصَاص، لَا يُقَال: إِنَّه نكرَة وَشرط النصب على الِاخْتِصَاص أَن يكون معرفَة، لأَنا نقُول: جَاءَ نكرَة كَمَا جَاءَ معرفَة. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
(ويأوي إِلَى نسْوَة عطلوشعثا مراضيع مثل السعالي.)
قَوْله: (بالدرجة) ، بِضَم الدَّال وَسُكُون الرَّاء. قَالَه ابْن قرقول. وَقيل بِكَسْر الدَّال وَفتح الرَّاء، وَعند الْبَاجِيّ بِفَتْح الدَّال وَالرَّاء. قَالَ ابْن قرقول: وَهِي بعيدَة عَن الصَّوَاب. وَقَالَ أَبُو الْمعَانِي فِي كتاب (الْمُنْتَهى) : والدرج، بالتسكين: خفش النِّسَاء، والدرجة شَيْء يدرج فَيدْخل فِي حَيا النَّاقة، ثمَّ تشمه فتظنه وَلَدهَا فتراه، وَكَذَا ذكره الْقَزاز، وَصَاحب (الصِّحَاح) وَابْن سَيّده زَاد: والدرجة أَيْضا خرقَة يوضع فِيهَا دَوَاء ثمَّ يدْخل فِي حَيا النَّاقة، وَذَلِكَ إِذا اشتكت مِنْهُ. وَفِي (الباهر) : الدرجَة بِالْكَسْرِ، والإدراج جمع: الدرج، وَهُوَ سفط صَغِير. والدرجة مِثَال رطبَة. وَفِي (الجمهرة) لِابْنِ دُرَيْد: الدرج سفط صَغِير تجْعَل فِيهِ الْمَرْأَة طيبها وَمَا أشبهه. وَقَالَ ابْن قرقول: وَمن قَالَ بِكَسْر الدَّال وَفتح الرَّاء فَهُوَ عِنْده جمع درج، وَهُوَ سفط صَغِير نَحْو خرج وخرجة، وَنَحْو ترس وترسة. قَوْله: (الكرسف) بِضَم الْكَاف وَإِسْكَان الرَّاء وَضم السِّين الْمُهْملَة، وَفِي آخِره فَاء: وَهُوَ الْقطن، كَذَا قَالَه أَبُو عبيد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب (النَّبَات) : وَزعم بعض الروَاة أَنه يُقَال لَهُ: الكرسف، على الْقلب، وَيجمع الكرفس على كراسف. وَفِي (الْمُحكم) : إِنَّمَا اختير الْقطن لبياضه، وَلِأَنَّهُ ينشف الرُّطُوبَة فَيظْهر فِيهِ من آثَار الدَّم مَا لَا يظْهر من غَيره. قَوْله: (فَتَقول) أَي عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْلهَا: (لَا تعجلن) بِسُكُون اللَّام نهي لجمع مؤنث مُخَاطبَة، وَيَأْتِي كَذَلِك للْجمع الْمُؤَنَّث الغائبة، وَيجوز هَهُنَا الْوَجْهَانِ. وَكَذَا: (فِي تَرين) فَافْهَم. قَوْلهَا: (حَتَّى تَرين) صِيغَة جمع الْمُؤَنَّث المخاطبة، وَأَصلهَا: ترأين، على وزن: تفعلن، لِأَنَّهَا من: رأى يرأى رُؤْيَة بِالْعينِ، وَتقول للْمَرْأَة: أَنْت تَرين، وللجماعة: أنتن تَرين، لِأَن الْفِعْل للواحدة وَالْجَمَاعَة سَوَاء فِي المواجهة فِي خبر الْمَرْأَة من بَنَات الْيَاء، إلَاّ أَن النُّون الَّتِي فِي الْوَاحِدَة عَلامَة الرّفْع، وَالَّتِي فِي الْجمع نون الْجمع. فَإِن قلت: إِذا كَانَ أصل: تَرين ترأين، كَيفَ فعل بِهِ حَتَّى صَار: تَرين؟ قلت: نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الرَّاء، ثمَّ قلبت ألفا لتحركها فِي الأَصْل وانفتاح مَا قبلهَا، ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ: تَرين، على وزن: تفلن، لِأَن الْمَحْذُوف مِنْهُ عين الْفِعْل وَهُوَ الْهمزَة فَقَط، وَوزن الْوَاحِدَة: تفين، لِأَن الْمَحْذُوف مِنْهُ عين الْفِعْل ولامه. قَوْلهَا: (الْقِصَّة الْبَيْضَاء) ، بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة، وَفِي تَفْسِيرهَا أَقْوَال. قَالَ ابْن سَيّده: الْقِصَّة والقص والجص، وَقيل: الْحِجَارَة من الجص. وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute