للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَارب الْإِجَابَة وَلم يجب فَدلَّ ظَاهر هَذَا على استمراره على الْكفْر لَكِن يحْتَمل مَعَ ذَلِك أَنه كَانَ يضمر الْإِيمَان وَيفْعل هَذِه الْمعاصِي مُرَاعَاة لملكه وخوفا من أَن يقْتله قومه لَكِن فِي مُسْند أَحْمد رَحمَه الله أَنه كتب من تَبُوك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي مُسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كذب بل هُوَ على نصرانيته فعلى هَذَا إِطْلَاق أبي عمر أَنه آمن أَي أظهر التَّصْدِيق لكنه لم يسْتَمر عَلَيْهِ وآثر الفانية على الْبَاقِيَة وَقَالَ ابْن بطال قَول هِرقل لَو أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه أَي دون خلع ملكه وَدون اعْتِرَاض عَلَيْهِ وَكَانَت الْهِجْرَة فرضا على كل مُسلم قبل فتح مَكَّة فَإِن قيل النَّجَاشِيّ لم يُهَاجر وَهُوَ مُؤمن قلت النَّجَاشِيّ كَانَ ردأ لِلْإِسْلَامِ هُنَاكَ وملجأ لمن أوذي من الصَّحَابَة وَحكم الردء حكم الْمقَاتل وَكَذَا رده اللُّصُوص والمحاربين عِنْد مَالك والكوفيين يقتل بِقَتْلِهِم وَيجب عَلَيْهِ مَا يجب عَلَيْهِم وَإِن لم يحضروا الْقَتْل خلافًا للشَّافِعِيّ وَمثله تخلف عُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد بن زيد عَن بدر وَضرب لَهُم الشَّارِع بسهمهم وأجرهم وَقَالَ ابْن بطال وَلم يَصح عندنَا أَن هِرقل جهر بِالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا عندنَا أَنه آثر ملكه على الْجَهْر بِكَلِمَة الْحق ولسنا نقنع بِالْإِسْلَامِ دون الْجَهْر بِهِ وَلم يكن هِرقل مكْرها حَتَّى يعْذر وَأمره إِلَى الله تَعَالَى. وَقد حكى القَاضِي عِيَاض فِيمَن اطْمَأَن قلبه بِالْإِيمَان وَلم يتَلَفَّظ وَتمكن من الْإِتْيَان بكلمتي الشَّهَادَة فَلم يَأْتِ بهَا هَل يحكم بِإِسْلَامِهِ أم لَا اخْتِلَافا بَين الْعلمَاء مَعَ أَن الْمَشْهُور لَا يحكم بِهِ وَقيل أَن قَوْله هَل لكم فِي الْفَلاح والرشد فتبايعوا هَذَا الرجل يظْهر أَنه أعلن وَالله أعلم بِحَقِيقَة أمره الثَّامِن عشر مَا قيل أَن قَوْله يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} وَأجِيب بِأَن هَذَا كَانَ عدلا وَكَانَ ذَاك فضلا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} وَنَحْو ذَلِك وَأما أَنه يُؤْتى الْأجر مرَّتَيْنِ مرّة لإيمانه بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمرَّة لإيمانه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مُوَافق لقَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ} الْآيَة التَّاسِع عشر مَا قيل فِي قَوْله فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين كَيفَ يكون إِثْم غَيره عَلَيْهِ وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَأجِيب بِأَن المُرَاد أَن إِثْم الإضلال عَلَيْهِ والإضلال أَيْضا وزره كالضلال على أَنه معَارض بقوله {وليحملن أثقالهم وأثقالا مَعَ أثقالهم} الْعشْرُونَ مَا قيل كَيفَ علم هِرقل أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نظر فِي النُّجُوم وَأجِيب بِأَنَّهُ علم ذَلِك بِمُقْتَضى حِسَاب المنجمين لأَنهم زَعَمُوا أَن المولد النَّبَوِيّ كَانَ بقران العلويين برج الْعَقْرَب وهما يقرنان فِي كل عشْرين سنة مرّة إِلَى أَن يَسْتَوْفِي الثَّلَاثَة بروجها فِي سِتِّينَ سنة وَكَانَ ابْتِدَاء الْعشْرين الأولى المولد النَّبَوِيّ فِي الْقرَان الْمَذْكُور وَعند تَمام الْعشْرين الثَّانِيَة مَجِيء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْوَحْي وَعند تَمام الثَّالِثَة فتح خَيْبَر وَعمرَة الْقَضَاء الَّتِي جرت فتح مَكَّة وَظُهُور الْإِسْلَام وَفِي تِلْكَ الْأَيَّام رأى هِرقل مَا رأى وَقَالُوا أَيْضا أَن برج الْعَقْرَب مائي وَهُوَ دَلِيل ملك الْقَوْم الَّذين يختتنون فَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على انْتِقَال الْملك إِلَى الْعَرَب وَأما الْيَهُود فليسوا مرَادا هَهُنَا لِأَن هَذَا لمن سينتقل إِلَيْهِ الْملك لَا لمن انْقَضى ملكه الْحَادِي وَالْعشْرُونَ مَا قيل كَيفَ سوغ البُخَارِيّ إِيرَاد هَذَا الْخَبَر الْمشعر بتقوية خبر المنجم والاعتماد على مَا يدل عَلَيْهِ أحكامهم وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يقْصد ذَلِك بل قصد أَن يبين أَن البشارات بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَت من كل طَرِيق وعَلى لِسَان كل فريق من كَاهِن أَو منجم محق أَو مُبْطل إنسي أَو جني الثَّانِي وَالْعشْرُونَ مَا قيل أَن قَوْله حَتَّى أَتَاهُ كتاب من صَاحبه يُوَافق رَأْي هِرقل على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي يدل على أَن كلا من هِرقل وَصَاحبه قد أسلم فَكيف حكمت بِإِسْلَام صَاحبه وَلم تحكم بِإِسْلَام هِرقل وَأجِيب بِأَن ذَلِك اسْتمرّ على إِسْلَامه وَقتل وهرقل لم يسْتَمر وآثر ملكه على الْإِسْلَام وَقد روى ابْن إِسْحَاق أَن هِرقل أرسل دحْيَة إِلَى ضفاطر الرُّومِي وَقَالَ أَنه فِي الرّوم أجوز قولا مني وَأَن ضفاطر الْمَذْكُور أظهر إِسْلَامه وَألقى ثِيَابه الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ وَلبس ثيابًا بيضًا وَخرج إِلَى الرّوم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام وَشهد شَهَادَة الْحق فَقَامُوا إِلَيْهِ فضربوه حَتَّى قَتَلُوهُ قَالَ فَلَمَّا خرج دحْيَة إِلَى هِرقل قَالَ لَهُ قد قلت لَك أَنا نخافهم على أَنْفُسنَا فضفاطر كَانَ أعظم عِنْدهم مني وَقَالَ بَعضهم فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ صَاحب رُومِية الَّذِي أبهم هُنَا ثمَّ قَالَ لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ مَا قيل أَن دحْيَة لم يقدم على هِرقل بِهَذَا الْكتاب الْمَكْتُوب فِي سنة الْحُدَيْبِيَة وَإِنَّمَا قدم عَلَيْهِ بِالْكتاب الْمَكْتُوب فِي غَزْوَة تَبُوك فعلى هَذَا يحْتَمل أَن يكون وَقعت لضفاطر قضيتان إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكرهَا ابْن الناطور وَلَيْسَ فِيهَا أَنه أسلم وَلَا أَنه قتل وَالثَّانيَِة الَّتِي ذكرهَا ابْن إِسْحَاق فَإِن فِيهَا قصَّته مَعَ دحْيَة بِالْكتاب إِلَى قَيْصر وَأَنه أسلم فَقتل وَالله أعلم. قلت غَزْوَة تَبُوك كَانَت فِي سنة تسع من الْهِجْرَة وَذكر ابْن جرير الطَّبَرِيّ بعث دحْيَة بِالْكتاب إِلَى قَيْصر فِي سنة

<<  <  ج: ص:  >  >>