(قلت: يَا رَسُول اإني أكون فِي الصَّيْد، وَلَيْسَ عليَّ إلَاّ قَمِيص وَاحِد قَالَ: فأزرره وَلَو بشوكة) . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) قَالَ: وَهَذَا حَدِيث مدنِي صَحِيح، فَظهر بِهَذِهِ الرِّوَايَة أَن مُوسَى هَهُنَا غير مُوسَى ذَاك الَّذِي ظَنّه ابْن الْقطَّان، وَفِيه ضعف أَيْضا، لكنه دون ذَاك وروى الطَّحَاوِيّ: حدّثنا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ: حدّثنا ابْن قُتَيْبَة، قَالَ: أخبرنَا الداراوردي عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَهَذَا اخْتِلَاف آخر. وَقَالَ بَعضهم: من صحّح هَذَا الحَدِيث فقد اعْتمد على رِوَايَة الدَّرَاورْدِي. قلت: يجوز أَن يكون وَجه ذَلِك اعْتِمَادًا على رِوَايَة مُوسَى بن إِبْرَاهِيم المَخْزُومِي، لَا على رِوَايَة مُوسَى بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، والمخزومي هُوَ مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد ابْن أبي ربيعَة بن عبد ابْن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه فِي تَصْحِيح من صَححهُ، وَيشْهد لما قُلْنَا رِوَايَة ابْن حبَان، وَلَا يبعد أَن يكون كل وَاحِد من المَخْزُومِي والتيمي روى هَذَا الحَدِيث عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَحمل عَنْهُمَا الدَّرَاورْدِي وَرَوَاهُ، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل: ذكر مُحَمَّد فِيهِ شَاذ. قلت: حكمه بشذوذه إِن كَانَ من جِهَة انْفِرَاد الطَّحَاوِيّ بِهِ فَلَيْسَ بِشَيْء، لِأَن الشاذ من ثِقَة مَقْبُول.
ومَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذىً.
قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من تَتِمَّة التَّرْجَمَة، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَهَذَا مِنْهُ دَال على الِاكْتِفَاء بِالظَّنِّ فِيمَا يُصَلِّي فِيهِ لَا الْقطع، وَقَالَ بَعضهم، يُشِير، إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من طَرِيق مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان: (أَنه سَأَلَ اخته أم حَبِيبَة: هَل كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي فِي الثَّوْب الَّذِي يُجَامع فِيهِ؟ قَالَت: نعم إِذا لم ير فِيهِ أَذَى) . قلت: لما قَالَه الْكرْمَانِي وَجه لِأَنَّهُ اقتبس هَذَا من الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بِهِ إِدْخَاله فِي تَرْجَمَة الْبَاب، وَهَذَا كَمَا رَأَيْته قد أَخذ من ثَلَاثَة أَحَادِيث وأدخلها فِي تَرْجَمَة الْبَاب. الأول: حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَقد مر. وَالثَّانِي: حَدِيث أم حَبِيبَة، أخرجه أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: حدّثنا عِيسَى بن حَمَّاد الْمصْرِيّ، قَالَ: حدّثنا اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن سُوَيْد بن قيس عَن مُعَاوِيَة بن خديج عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان: (أَنه سَأَلَ أُخْته أم حَبِيبَة، زوج النَّبِي، هَل كَانَ رَسُول ا، يُصَلِّي فِي الثَّوْب الَّذِي يُجَامِعهَا فِيهِ؟ فَقَالَت: نعم إِذا لم ير فِيهِ أَذَى) . وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. وَالثَّالِث: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي اتعالى عَنهُ، على مَا نذكرهُ عَن قريب. قَوْله: (مَا لم ير فِيهِ أَذَى) ، سقط لَفْظَة: فِيهِ، من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي، وَفِي رِوَايَة: (إِذا لم ير فِيهِ دَمًا) والأذى: النَّجَاسَة.
وَأَمَرَ النبيُّ أَنْ لَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عرْيانٌ.
وَفِي بعض النّسخ: وَأمر النَّبِي، هَذَا أَيْضا اقتباس من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي الْبَاب الثَّامِن بعد هَذَا الْبَاب، قَالَ: (بَعَثَنِي أَبُو بكر فِي تِلْكَ الْحجَّة فِي مؤذنين يَوْم النَّحْر نؤذن بمنى: أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان) . وَاسْتدلَّ بِهِ على اشْتِرَاط ستر الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ إِذا كَانَ شرطا فِي الطّواف الَّذِي هُوَ يشبه الصَّلَاة، فاشتراطه فِي الصَّلَاة أولى وأجدر. وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِالْأَمر. قلت: قد ذكرت لَك أَن هَذَا اقتباس، والاقتباس هَهُنَا اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي، لِأَن الاصطلاحي هُوَ أَن يضمن الْكَلَام شَيْئا من الْقُرْآن أَو الحَدِيث، لَا على أَنه مِنْهُ، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك، بل المُرَاد هَهُنَا أَخذ شَيْء من الحَدِيث وَالِاسْتِدْلَال بِهِ على حكم، كَمَا كَانَ يسْتَدلّ بِهِ من الحَدِيث الْمَأْخُوذ مِنْهُ، فَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور يدل على اشْتِرَاط ستر الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ يتَضَمَّن أَمر أبي بكر، وَأمر أبي بكر بذلك من أَمر النَّبِي. وَأخذ البُخَارِيّ من ذَلِك المتضمن صُورَة أَمر، فَقَالَ: وَأمر رَسُول الله أَن لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَاقْتصر من الحَدِيث على هَذَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطَابق تَرْجَمَة الْبَاب. فَافْهَم. فَإِنَّهُ دَقِيق لم يُنَبه عَلَيْهِ أحد من الشُّرَّاح. قَوْله: (أَن لَا يطوف) بِالنّصب لِأَنَّهُ فِي الحَدِيث الْمَأْخُوذ مِنْهُ عطف على الْمَنْصُوب. وَهُوَ قَوْله: (أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك) .
١٥٣٧١ - ح دّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حدّثنا يَزِيدُ بنُ إبْراهيمَ عنْ مُحَمدٍ عَن أُمِّ عَطِيَّة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute