(تصلي فِي إِزَار وَاحِد؟) التَّقْدِير: أَتُصَلِّي؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (إِنَّمَا صنعت هَذَا) ، ويروى: (إِنَّمَا صنعت ذَلِك) ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فعله من صلَاته وَإِزَاره مَعْقُود على قَفاهُ، وثيابه مَوْضُوعَة على المشجب. قَوْله: (ليراني) أَي: لِأَن يراني. وَقَوله: (أَحمَق) ، بِالرَّفْع فَاعله، وَمَعْنَاهُ: الْجَاهِل، وَهُوَ صفة مشبهة من الْحمق، بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْمِيم، هُوَ قلَّة الْعقل، وَقد حمق الرجل، بِالضَّمِّ، حَمَاقَة فَهُوَ أَحمَق. وحمق أَيْضا بِالْكَسْرِ يحمق حمقاً، مثل: غنم غنما، فَهُوَ حمق، وَامْرَأَة حمقاء، وَقوم ونسوة حمق وحمقى، وأحمقت الرجل إِذا وجدته أَحمَق، وحمقته تحميقاً نسبته إِلَى الْحمق، وحامقته إِذا ساعدته على حمقه واستحمقته أَي: عددته أَحمَق، وتحامق فلَان إِذا تكلّف الحماقة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَحَقِيقَة الْحمق وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه مَعَ الْعلم بقبحه. قَوْله: (مثلك) بِالرَّفْع صفة أَحمَق، وَلَفْظَة: مثل، وَإِن أضيفت إِلَى الْمعرفَة لَا يتعرف لتوغله فِي التنكير إِلَّا إِذا أضيفت بِمَا اشْتهر بالمماثلة، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك، فَلذَلِك وَقعت صفة لنكرة، وَهُوَ قَوْله: (أَحمَق) .
فَإِن قلت: اللَّام فِي قَوْله: (ليراني) للتَّعْلِيل وَالْغَرَض، فَكيف وَجه جعل إراءته الأحمق غَرضا؟ قلت: الْغَرَض بَيَان جَوَاز ذَلِك الْفِعْل فَكَأَنَّهُ قَالَ: صَنعته ليراني الْجَاهِل فينكر عَليّ بجهله فأُظهر لَهُ جَوَازه، وَإِنَّمَا أغْلظ عَلَيْهِ نسبته إِلَى الحماقة لإنكاره على فعله؛ بقوله: (تصلي فِي إِزَار وَاحِد؟) لِأَن همزَة الْإِنْكَار فِيهِ مقدرَة على مَا ذكرنَا. قَوْله: (وأينا) اسْتِفْهَام يُفِيد النَّفْي، ومقصوده بَيَان إِسْنَاد فعله إِلَى مَا تقرر فِي عهد رَسُول ا.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فَمن ذَلِك جَوَاز الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد لمن يقدر على أَكثر مِنْهُ، وَهُوَ قَول جمَاعَة الْفُقَهَاء، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر خلاف ذَلِك، وَكَذَا عَن ابْن مَسْعُود، فروى ابْن أبي شيبَة عَنهُ: (لَا يصليّنَّ فِي ثوب وَإِن كَانَ أوسع مِمَّا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض) . وَقَالَ ابْن بطال. إِن ابْن عمر لم يُتَابع على قَوْله. قلت: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود مثل قَول ابْن عمر كَمَا ذكرنَا، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد أَيْضا أَنه للا يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد إلَاّ إِن لَا يجد غَيره، نعم عَامَّة الْفُقَهَاء على خِلَافه، وَفِيه الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة جَابر وَأبي هُرَيْرَة وَعَمْرو بن أبي سَلمَة. وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع رَضِي اتعالى عَنْهُم. وَمن ذَلِك أَن الْعَالم يَأْخُذ بأيسر الشَّيْء مَعَ قدرته على أَكثر مِنْهُ توسعة على الْعَامَّة ليقتدى بِهِ. وَمن ذَلِك: لَا بَأْس للْعَالم أَن يصف أحدا بالحمق إِذا عَابَ عَلَيْهِ مَا غَابَ عَنهُ علمه من السّنة. وَفِيه: جَوَاز التَّغْلِيظ فِي الْإِنْكَار على الْجَاهِل.
٣٥٣٩١ - ح دّثنا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حدّثنا عَبْدُ الرَّحمْنِ بنُ أبي المَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ رَأَيْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَقَالَ رَأَيْتُ النبيَّ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ. .
هَذِه طَريقَة أُخْرَى لحَدِيث جَابر رَضِي اتعالى عَنهُ، وفيهَا الرّفْع إِلَى النَّبِي وَأَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد وَقعت من النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَمَا ذكرهَا لِأَنَّهَا أوقع فِي النَّفس وأصرح فِي الرّفْع من الطَّرِيقَة الأولى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ دلَالَة هَذَا الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ قلت: أما أَنه مخروم من الحَدِيث السَّابِق، وَإِمَّا أَنه يدل عَلَيْهِ بِحَسب الْغَالِب، إِذْ لَوْلَا عقده على الْقَفَا لما ستر الْعَوْرَة غَالِبا، وَأنكر بَعضهم على الْكرْمَانِي فِي هَذَا السُّؤَال وَجَوَابه، وَقَالَ: وَلَو تَأمل لَفظه وسياقه بعد ثَمَانِيَة أَبْوَاب لعرف اندفاع احتماليه، فَإِنَّهُ طرف من الحَدِيث الْمَذْكُور هُنَاكَ لَا من السَّابِق، وَلَا ضَرُورَة لما ادَّعَاهُ من الْغَلَبَة، فَإِن لَفظه: (وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثوب ملتحفاً بِهِ) ، وَهِي قصَّة أُخْرَى كَانَ الثَّوْب فِيهَا وَاسِعًا، فالتحف بِهِ. وَكَانَ فِي الأول ضيقا فعقده. قلت: لَا هُوَ مخروم من الحَدِيث السَّابِق، وَلَا هُوَ طرف من الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب الثَّامِن، بل كل وَاحِد حَدِيث مُسْتَقل بِذَاتِهِ. ومطرف، بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء وَكسر الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي آخِره فَاء: ابْن عبد ابْن سُلَيْمَان الْأَصَم أَبُو مُصعب الْمدنِي مولى أم الْمُؤمنِينَ وَهُوَ صَاحب مَالك، مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ. وَعبد الرَّحْمَن: هُوَ ابْن زيد بن أبي الموَالِي، بِفَتْح الْمِيم على وزن: الْجَوَارِي، وَفِي بعض النّسخ: الموال، بِدُونِ الْيَاء.
٤ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute