(بابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ مُلْتَحِفاً بهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة من يُصَلِّي فِي الثَّوْب الْوَاحِد حَال كَونه ملتحفاً بِهِ. الالتحاف، لُغَة: التغطي، وكل شَيْء تغطيت بِهِ فقد التحفت بِهِ، وَقَالَ اللَّيْث: اللحف تغطيتك الشَّيْء باللحاف، وَقَالَ غَيره: لحفت الرجل ألحفه لحفاً: إِذا طرحت عَلَيْهِ اللحاف، أَو غطيته بِشَيْء، وتلحفت: اتَّخذت لنَفْسي لحافاً.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ المُلتَحِفُ المُتَوَشِّحُ وَهْوَ المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عاتِقَيْهِ وَهْوَ الإِشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ.
١٣
- ٥٠ أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ فِي حَدِيثه الَّذِي رَوَاهُ فِي الالتحاف عَن سَالم بن عمر عَن عبد ابْن عمر، قَالَ: (رأى عمر بن الْخطاب رجلا يُصَلِّي ملتحفاً، فَقَالَ لَهُ عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، حِين سلم: لَا يصلينَّ أحدكُم ملتحفاً، وَلَا تشبهوا باليهود) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن ابْن أبي دَاوُد عَن عبد ابْن صَالح عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حدّثنا عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر: (أَن عمر بن الْخطاب رأى رجلا يُصَلِّي ملتحفاً، فَقَالَ: لَا تشبهوا باليهود، من لم يجد مِنْكُم إلَاّ ثوبا وَاحِدًا فليتزر بِهِ) . وَكَذَا فِي حَدِيثه الَّذِي رَوَاهُ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره.
قَوْله: (المتوشح) اسْم فَاعل من بَاب التفعل، من: توشح يتوشح، والتوشح بِالثَّوْبِ: التغشي بِهِ، وَالْأَصْل فِيهِ من الوشاح، وَهُوَ شَيْء ينسج عريضاً من أَدِيم، وَرُبمَا رصع بالجواهر والخرز، وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقيها وكشحيها. وَيُقَال فِيهِ: وشاح وإشاح، وَقَالَ ابْن سَيّده: التوشح أَن يتوشح بِالثَّوْبِ ثمَّ يخرج الْأَيْسَر من تَحت يَده الْيُمْنَى، ثمَّ يعْقد طرفيها على صَدره، وَقد وشحه الثَّوْب. قَوْله: (وَهُوَ الْمُخَالف) أَي: المتوشح هُوَ الَّذِي يُخَالف بَين طرفِي الثَّوْب، وأوضح ذَلِك بقوله: (وَهُوَ الاشتمال على مَنْكِبَيْه) ، وَالضَّمِير يرجع إِلَى التوشح الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: (المتوشح) ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أعدلوا هُوَ أقرب} (الْمَائِدَة: ٨) والظاهرأن الزُّهْرِيّ لما فسر الملتحف بالمتوشح عِنْد رِوَايَة حَدِيثه فِيهِ، أوضحه البُخَارِيّ بقوله: وَهُوَ الْمُخَالف. إِلَى آخِره.
قَالَ: قالَتْ أُمُّ هَانِىءٍ: التَحَفَ النبيُّ بِثَوبٍ وخالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عاتِقَيْهِ.
١٣
- ٥٠ هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي هَذَا الْبَاب، وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ. (وَخَالف بَين طَرفَيْهِ) ، وَفَائِدَة ذكر هَذَا هِيَ الْإِشَارَة إِلَى أَن أم هانىء فسرت التحاف النَّبِي بِثَوْب بقولِهَا: (وَخَالف بَين طَرفَيْهِ) وَقَالَ ابْن بطال: وَفَائِدَة هَذِه الْمُخَالفَة فِي الثَّوْب أَن لَا ينظر الْمُصَلِّي إِلَى عَورَة نَفسه إِذا ركع. قلت: يجوز أَن تكون الْفَائِدَة أَيْضا أَن لَا يسْقط إِذا ركع وَإِذا سجد.
وَأم هانىء، بالنُّون وبالهمزة: بنت أبي طَالب القريشية الهاشمية، أُخْت عَليّ بن أبي طَالب، اسْمهَا فَاخِتَة، وَقيل: هِنْد وَقد تقدم ذكرهَا.
٤٥٣٠٢ - حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ موسَى قَالَ حدّثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ أنَّ النبيَّ صَلَّى فِي ثَوْبٍ واحدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. (الحَدِيث ٤٥٣ طرفاه فِي: ٥٥٣، ٦٥٣) .
مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن قَوْله: (قد خَالف بَين طَرفَيْهِ) هُوَ الالتحاف الَّذِي هُوَ التوشح، والاشتمال على الْمَنْكِبَيْنِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة. الأول: عبيد ا، بتصغير العَبْد: بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي، مَوْلَاهُم الْكُوفِي، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر فِي بَاب دعاؤكم إيمَانكُمْ. الثَّانِي: هِشَام بن عُرْوَة. الثَّالِث: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الرَّابِع: عمر بن أبي سَلمَة، بِضَم الْعين، وَاسم أبي سَلمَة: عبد االمخزومي أَبُو حَفْص، ربيب رَسُول ا، ولد بِأَرْض الْحَبَشَة فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَقبض زمَان عبد الْملك بن مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ لِأَن هشاماً تَابِعِيّ روى عَن أَبِيه وَهُوَ تَابِعِيّ وروى هُوَ عَن صَحَابِيّ، وَهَذَا سَنَد عَال جدا يشبه سَنَد الثلاثيات، وَلَو كَانَ هِشَام يرويهِ عَن صَحَابِيّ لَكَانَ ثلاثياً حَقِيقَة. لِأَنَّهُ يكون حينئذٍ بَين البُخَارِيّ وَبَين