للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحسب أنسا ذكر السويق أَيْضا، وَجزم عبد الْوَارِث فِي رِوَايَته بِذكر السويق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي قَالَ: وَجعل الرجل يَجِيء بالسويق، وَيحْتَمل أَن يكون فَاعل: قَالَ، هُوَ البُخَارِيّ. وَيكون مقولاً للفربري، ومفعول: أَحسب، يَعْقُوب، وَالْأول هُوَ الظَّاهِر. قَوْله: (فحاسوا حَيْسًا) الحيس، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: هُوَ تمر يخلط بِسمن وأقط، يُقَال: حاس الحيس يحيسه أَي: يخلطه. وَقَالَ ابْن سَيّده: الحيس هُوَ الأقط يخلط بالسمن وَالتَّمْر، وحاسه حَيْسًا وحيسة: خلطه. قَالَ الشَّاعِر:

(وَإِذا تكون كريهة يدعى لَهَا ... وَإِذا يحاس الحيس يدعى جُنْدُب)

قَالَ الْجَوْهَرِي: الحيس: الْخَلْط، وَمِنْه سمي الحيس، وَفِي (الْمُخَصّص) قَالَ الشَّاعِر:

(التَّمْر وَالسمن جَمِيعًا والأقط ... الحيس إلَاّ أَنه لم يخْتَلط)

وَفِي (الغريبين) : هُوَ ثريد من أخلاط. قَالَ الْفَارِسِي فِي (مجمع الغرائب) : اأعلم بِصِحَّتِهِ. قَوْله: (فَكَانَت وَلِيمَة رَسُول ا) اسْم: كَانَت، الضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الَّتِي اتخذ مِنْهَا الحيس. قَوْله: (وَلِيمَة النَّبِي) بِالنّصب: خَبره.

ذكر الْأَحْكَام الَّتِي تستنبط مِنْهُ مِنْهَا: جَوَاز إِطْلَاق صَلَاة الْغَدَاة على صَلَاة الصُّبْح، خلافًا لمن كرهه من بعض الشَّافِعِيَّة. وَمِنْهَا: جَوَاز الإرداف إِذا كَانَت الدَّابَّة مطيقة، وَفِيه غير مَا حَدِيث. وَمِنْهَا: اسْتِحْبَاب التَّكْبِير وَالذكر عِنْد الْحَرْب، وَهُوَ مُوَافق لقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فأثبتوا واذْكُرُوا اكثيراً} (الْأَنْفَال: ٥٤) وَمِنْهَا: اسْتِحْبَاب التَّثْلِيث فِي التَّكْبِير لقَوْله: (قَالَهَا ثَلَاثًا) أَي ثَلَاث مَرَّات. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْفَخْذ لَيْسَ بِعَوْرَة، وَقد ذكرنَا الْجَواب عَنهُ. وَمِنْهَا: أَن إِجْرَاء الْفرس يجوز وَلَا يضر بمراتب الْكِبَار، لَا سِيمَا عِنْد الْحَاجة أَو لرياضة الدَّابَّة أَو لتدريب النَّفس على الْقِتَال. وَمِنْهَا: اسْتِحْبَاب عتق السَّيِّد أمته وَتَزَوجهَا، وَقد صَحَّ أَن لَهُ أَجْرَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى، وَسَيَأْتِي، إِن شَاءَ اتعالى. وَقَالَ ابْن حزم: اتّفق ثَابت وَقَتَادَة وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس أَنه: عتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، وَبِه قَالَ قَتَادَة فِي رِوَايَة، وَأخذ بِظَاهِرِهِ أَحْمد وَالْحسن وَابْن الْمسيب، وَلَا يحل لَهَا مهر غَيره، وتبعهم ابْن حزم فَقَالَ: هُوَ سنة فاضلة وَنِكَاح صَحِيح وصداق صَحِيح، فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فَهِيَ حرَّة فَلَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء، وَلَو أَبَت أَن تتزوجه بَطل عتقهَا. وَفِي هَذَا خلاف مُتَأَخّر ومتقدم.

قَالَ الطَّحَاوِيّ: حدّثنا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، قَالَ: حدّثنا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حدّثنا أبان وَحَمَّاد بن زيد، قَالَ: حدّثنا شُعَيْب بن الحبحاب عَن أنس بن مَالك: (أَن رَسُول الله أعتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) . وَأخرجه مُسلم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ. ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا أعتق أمته على أَن عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك، فَإِن تزوجت فَلَا مهر لَهَا غير الْعتاق. قلت: أَرَادَ بهؤلاء الْقَوْم: سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَقَتَادَة وطاوساً وَالْحسن بن حييّ وَأحمد وَإِسْحَاق فَإِنَّهُم قَالُوا: إِذا أعتق الرجل أمته على أَن يكون عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك، فَإِذا عقد عَلَيْهَا لَا تسْتَحقّ عَلَيْهِ مهْرا غير ذَلِك الْعتاق، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو يُوسُف وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَذكر التِّرْمِذِيّ أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا. وَقَالَ عِيَاض: وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ بِالْخِيَارِ إِذا أعْتقهَا، فَإِن امْتنعت من تزَوجه فَلهُ عَلَيْهَا قيمتهَا إِن لم يُمكن الرُّجُوع فِيهَا، وَهَذِه لَا يُمكن الرُّجُوع فِيهَا، وَإِن تزوجت بِالْقيمَةِ الْوَاجِبَة لَهُ عَلَيْهَا صَحَّ بذلك عِنْده.

وَفِي (الْأَحْكَام) لِابْنِ بزيزة، فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: اخْتلف سلف الصَّحَابَة، وَكَانَ ابْن عمر لَا يرَاهُ، وَقد روينَا جَوَازه عَن عَليّ وَأنس وَابْن مَسْعُود، وروينا عَن ابْن سِيرِين أَنه اسْتحبَّ أَن يَجْعَل مَعَ عتقهَا شَيْئا مَا كَانَ، وَصَحَّ كَرَاهَة ذَلِك أَيْضا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَجَابِر بن زيد وَالنَّخَعِيّ. وَقَالَ النَّخعِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يعْتق الرجل جَارِيَته ثمَّ يَتَزَوَّجهَا، وجعلوه كالراكب بدنته. وَقَالَ اللَّيْث بن سعد وَابْن شبْرمَة وَجَابِر بن زيد وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَمَالك: لَيْسَ لأحد غير رَسُول الله أَن يفعل هَذَا فَيتم لَهُ النِّكَاح بِغَيْر صدَاق، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لرَسُول الله خَاصَّة، لِأَن اتعالى لما جعل لَهُ أَن يتَزَوَّج بِغَيْر صدَاق كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج على الْعتاق الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاق. ثمَّ إِن فعل هَذَا وَقع الْعتاق، وَلها عَلَيْهِ مهر الْمثل، فَإِن أَبَت أَن تتزوجه تسْعَى لَهُ فِي قيمتهَا عِنْد

<<  <  ج: ص:  >  >>