بهَا إِلَى رَسُول ا، فَأمر بهَا فَوضعت هَهُنَا) . وَعَن جَابر: (إِن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول اأَلَا أجعَل لَك شَيْئا تقعد عَلَيْهِ؟ فَإِن لي غُلَاما نجاراً) الحَدِيث. وَفِي (الإكليل) للْحَاكِم: عَن يزِيد بن رُومَان: (كَانَ الْمِنْبَر ثَلَاث دَرَجَات، فَزَاد بِهِ مُعَاوِيَة، لَعَلَّه قَالَ: جعله سِتّ دَرَجَات، وَحَوله عَن مَكَانَهُ فكسفت الشَّمْس يومئذٍ) . قَالَ الْحَاكِم: وَقد أحرق الَّذِي عمله مُعَاوِيَة، ورد مِنْبَر النَّبِي إِلَى الْمَكَان الَّذِي وَضعه فِيهِ. وَفِي (الطَّبَقَات) : كَانَ بَينه وَبَين الْحَائِط ممر الشَّاة. وَقيل فِي (الإكليل) أَيْضا: من حَدِيث الْمُبَارك بن فضَالة. عَن الْحسن عَن أنس رَضِي اتعالى عَنهُ (لما كثر النَّاس قَالَ النَّبِي: إبنوا لي منبراً، فبنوا لَهُ عتبتين) . وَقد ذكرنَا عَن أبي دَاوُد فِي حَدِيث ابْن عمر: مرقاتين، وَهِي تَثْنِيَة مرقاة وَهِي: الدرجَة. فَإِن قلت: فِي (الصَّحِيح) : ثَلَاث دَرَجَات، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: الَّذِي قَالَ: مرقاتين، كَانَ لم يعْتَبر الدرجَة الَّتِي كَانَ يجلس عَلَيْهَا، وَالَّذِي روى لَهُ ثَلَاثًا اعتبرها. قَوْله: (فَقَامَ عَلَيْهِ) ، ويروى: (فرقى عَلَيْهِ) . قَوْله: (حِين عمل وَوضع) ، كِلَاهُمَا مَجْهُولَانِ. قَوْله: (كبر) بِدُونِ: الْوَاو، لِأَنَّهُ جَوَاب عَن سُؤال، كَأَنَّهُ قيل: مَا عمل انتصاب بعد الِاسْتِقْبَال؟ قَالَ: كبر. ويروى: (فَكبر) . وَفِي بعض النّسخ: (وَكبر) ، بِالْوَاو. قَوْله: (ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى) ، أَي: رَجَعَ إِلَى وَرَائه. فَإِذا قلت: رجعت الْقَهْقَرَى فكأنك قلت: رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم، لِأَن الْقَهْقَرِي ضرب من الرُّجُوع، فَيكون انتصاب على أَنه مفعول مُطلق، لكنه من غير لَفظه، كَمَا تَقول: قعدت جُلُوسًا. قَوْله: (على الأَرْض) ، وَذكر بعضه: بِالْأَرْضِ، وَذكر الْفرق بَيْنَمَا من حَيْثُ إِن فِي الأول: لوحظ معنى الاستعلاء، وَفِي الثَّانِي: معنى الإلصاق.
ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ: مِنْهَا: أَن فِيهِ الدّلَالَة على مَا ترْجم لَهُ وَهِي الصَّلَاة على الْمِنْبَر، وَقد علل، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، صلَاته عَلَيْهِ وارتفاعه على الْمَأْمُومين بالاتباع لَهُ والتعليم، فَإِذا ارْتَفع الإِمَام على الْمَأْمُوم فَهُوَ مَكْرُوه إلَاّ لحَاجَة. كَمثل هَذَا فَيُسْتَحَب، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَاللَّيْث، وَعَن مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْمَنْع، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَحكى ابْن حزم عَن أبي حنيفَة الْمَنْع، وَهُوَ غير صَحِيح، بل مذْهبه الْجَوَاز مَعَ الْكَرَاهَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. وَعَن أَصْحَابنَا عَن أبي حنيفَة جَوَازه إِذا كَانَ الإِمَام مرتفعاً مِقْدَار قامة، وَعَن مَالك: تجوز فِي الِارْتفَاع الْيَسِير.
وَمِنْهَا: أَن الْمَشْي الْيَسِير فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا. وَقَالَ صَاحب (الْمُحِيط) : الْمَشْي فِي الصَّلَاة خطْوَة لَا يُبْطِلهَا، وخطوتين أَو أَكثر يُبْطِلهَا، فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تفْسد هَذِه الصَّلَاة على هَذِه الْكَيْفِيَّة، وَلَكنَّا نقُول: إِذا كَانَ لمصْلحَة يَنْبَغِي أَن لَا تفْسد صلَاته وَلَا تكره أَيْضا كَمَا فِي مَسْأَلَة من انْفَرد خلف الصَّفّ وَحده، فَإِن لَهُ أَن يجذب وَاحِدًا من الصَّفّ إِلَيْهِ ويصطفان، فَإِن المجذوب لَا تفْسد صلَاته وَلَو مَشى خطْوَة أَو خطوتين. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ أَن الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد الصَّلَاة، وَكَانَ الْمِنْبَر ثَلَاث مراقي، وَلَعَلَّه إِنَّمَا قَامَ على الثَّانِيَة مِنْهَا فَلَيْسَ فِي نُزُوله وصعوده إلَاّ خطوتان.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ اسْتِحْبَاب اتِّخَاذ الْمِنْبَر، وَكَون الْخَطِيب على مُرْتَفع كمنبر أَو غَيره.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ تَعْلِيم الإِمَام الْمَأْمُومين أَفعَال الصَّلَاة، وَأَنه لَا يقْدَح ذَلِك فِي صلَاته، وَلَيْسَ من بَاب التَّشْرِيك فِي الْعِبَادَة، بل هُوَ كرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ ليسمعهم.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ أَن الْعَالم إِذا انْفَرد بِعلم شَيْء يَقُول ذَلِك ليؤديه إِلَى حفظه.
قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ قالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَنْي أحْمَدُ بنُ حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّهُ عنْ هَذَا الحَدِيث قالَ فَإِنَّمَا أرَدْتُ أنَّ النَّبِيَّ كانَ أعلْى مِنَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أنْ يَكُونَ الإِمامُ أَعْلَى مِن النَّاسِ بِهَذَا الحَدِيثِ قالَ فَقُلْتُ إِنَّ سفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ كانَ يُسْأَلُ عنْ هَذَا كَثِيراً فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ قالَ لَا.
١٣
- ٥٠ أَبُو عبد اهو: البُخَارِيّ نَفسه. وَعلي بن الْمَدِينِيّ الإِمَام الْحجَّة شَيْخه، وَأحمد بن حَنْبَل الإِمَام الْجَلِيل الْمَشْهُورَة آثاره فِي الْإِسْلَام الْمَذْكُورَة مقاماته فِي الدّين، قَالَ ابْن رَاهَوَيْه: هُوَ حجَّة بَين اوبين عباده فِي أرضه، مَاتَ ببغدا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (بِهَذَا الحَدِيث) أَي: بِدلَالَة هَذَا الحَدِيث، وَجوز الْعُلُوّ بِقدر دَرَجَات الْمِنْبَر. وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: لَو كَانَ الإِمَام على رَأس مَنَارَة الْمَسْجِد، وَالْمَأْمُوم فِي قَعْر بِئْر، صَحَّ الِاقْتِدَاء. قَوْله: (قَالَ: فَقلت) : أَي: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ لِأَحْمَد بن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute