للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك عَن أبي النَّضر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَاصِم بن النَّضر عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن عبيد ابْن عمر عَن أبي النَّضر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ورجلاي فِي قبلته) جملَة وَقعت حَالا أَي: فِي مَكَان سُجُوده. قَوْله: (غمزني) ، من الغمز بِالْيَدِ. قَالَ الْجَوْهَرِي: غمزت الشَّيْء بيَدي، وغمزته بعيني، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذا مروا بهم يتغامزون} (المطففين: ٠٣) وَالْمرَاد هَهُنَا: الغمز بِالْيَدِ، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: (كنت أكون نَائِمَة ورجلاي بَين يَدي رَسُول الله وَهُوَ يُصَلِّي من اللَّيْل، فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد ضرب رجْلي فقبضتهما، فَسجدَ) . قَوْله: (فقبضت رجْلي) ، بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء بِصِيغَة التَّثْنِيَة، وَهَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: (رجْلي) ، بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْيَاء، بِصِيغَة الْإِفْرَاد. قَوْله: (بسطتهما) ، بتثنية الضَّمِير على رِوَايَة الْأَكْثَرين، وبالإفراد على رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. قَوْله: (والبيوت) ، مُبْتَدأ. وَقَوله: (لَيْسَ فِيهَا مصابيح) خَبره، وَالْجُمْلَة حَال، والمصابيح جمع: مِصْبَاح، وَهَذَا اعتذار من عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، عَن نومها على هَذِه الْهَيْئَة، وَالْمعْنَى: لَو كَانَت المصابيح لقبضت رجْلي عِنْد إِرَادَته السُّجُود، وَلما أحوجته إِلَى غمزي، وَهَذَا يدل على أَنَّهَا كَانَت رَاقِدَة غير مستغرقة فِي النّوم، إِذْ لَو كَانَت مستغرقة لما كَانَت تدْرك شَيْئا، سَوَاء كَانَت مصابيح أَو لم تكن. قَوْله: (يومئذٍ) مَعْنَاهُ: وقئتذ، أَي: وَقت إِذْ كَانَ الرَّسُول حَيا، وَإِنَّمَا فسرناه هَكَذَا لِأَن المصابيح من وظائف اللَّيْل، فَلَا يُمكن إِجْرَاء الْيَوْم على حَقِيقَة مَعْنَاهُ، وَقد يذكر الْيَوْم وَيُرَاد بِهِ الْوَقْت، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن يولهم يومئذٍ دبره إلَاّ متحرفاً لقِتَال أَو متحيزاً إِلَى فِئَة فقد بَاء بغضب من اومأواه جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير} (الْأَنْفَال: ٦١) .

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ: الأول: فِيهِ جَوَاز صَلَاة الرجل إِلَى الْمَرْأَة، وَأَنَّهَا لَا تقطع صلَاته، وَكَرِهَهُ بَعضهم لغير الشَّارِع لخوف الْفِتْنَة بهَا واشتغال الْقلب بِالنّظرِ إِلَيْهَا، وَأما النَّبِي فمنزه عَن هَذَا كُله، مَعَ أَنه كَانَ فِي اللَّيْل وَلَا مصابيح فِيهِ.

الثَّانِي: فِيهِ اسْتِحْبَاب إيقاظ النَّائِم للصَّلَاة.

الثَّالِث: أَن الْمَرْأَة لَا تبطل صَلَاة من صلى إِلَيْهَا، وَلَا من مرت بَين يَدَيْهِ، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء سلفا وخلفاً، مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ، وَمَعْلُوم أَن اعتراضها بَين يَدَيْهِ أَشد من مرورها، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يقطع مُرُور الْمَرْأَة وَالْحمار وَالْكَلب، وَقَالَ أَحْمد: يقطعهَا الْكَلْب الْأسود، وَفِي قلبِي من الْحمار وَالْمَرْأَة شَيْء. وَالْجَوَاب: عَن حَدِيث قطع الصَّلَاة بهؤلاء من وَجْهَيْن: إِن المُرَاد من الْقطع: النَّقْص، لشغل الْقلب بِهَذِهِ الْأَشْيَاء، وَلَيْسَ المُرَاد إِبْطَالهَا لِأَن الْمَرْأَة تغير الْفِكر فِيهَا، وَالْحمار ينهق، وَالْكَلب يهوش، فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء آيلة إِلَى الْقطع أطلق عَلَيْهَا الْقطع.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِحَدِيث: (لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء، وادرؤوا مَا اسْتَطَعْتُم) ، وَصلى الشَّارِع وَبَينه وَبَين الْقبْلَة عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا، وَكَانَت الأتان ترتع بَين يَدَيْهِ وَلم يُنكره أحد، لَكِن النّسخ لَا يُصَار إِلَيْهِ إلَاّ بِأُمُور مِنْهَا التَّارِيخ، وأنى بِهِ؟ وَذهب ابْن عَبَّاس وَعَطَاء إِلَى أَن الْمَرْأَة الَّتِي تقطع الصَّلَاة إِنَّمَا هِيَ الْحَائِض، ورد بِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَات هَذَا الحَدِيث، قَالَ شُعْبَة: (وأحسبها قَالَت: وَأَنا حَائِض) . قَالَ: فَإِن قلت: ورد فِي الحَدِيث: (يقطع الصَّلَاة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي وَالْخِنْزِير) ؟ قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف.

الرَّابِع: أَن الْعَمَل الْيَسِير فِي الصَّلَاة غير قَادِح.

الْخَامِس: جَوَاز الصَّلَاة إِلَى النَّائِم، وَكَرِهَهُ بَعضهم وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لَا تصلوا خلف النَّائِم وَلَا المتحدث) . قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: روى هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن مُحَمَّد بن كَعْب، كلهَا واهية، وَهَذَا أمثلها وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف، وَصرح بِهِ الْخطابِيّ، وَغَيره؛ (وَكَانَ ابْن عمر لَا يُصَلِّي خلف رجل يتَكَلَّم إلَاّ يَوْم الْجُمُعَة) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَد مُنْقَطع، وَفِي (مراسيله) بِسَنَد ضَعِيف: (نهى النَّبِي أَن يتحدث الرّجلَانِ وَبَينهمَا أحد يُصَلِّي) ، وَفِي (كَامِل ابْن عدي بِسَنَد واهٍ عَن ابْن عمر: (نهى رَسُول الله أَن يُصَلِّي الْإِنْسَان إِلَى نَائِم أَو متحدث) . وَفِي (الْأَوْسَط) للطبراني. من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد ضَعِيف مَرْفُوعا: (نهيت أَن أُصَلِّي خلف النَّائِم والمتحدثين) . وَفِي (كتاب الصَّلَاة) لأبي نعيم: حدّثنا سُفْيَان عَن ابْن إِسْحَاق عَن معدي كرب عَن عبد ا، قَالَ: (لَا يُصَلِّي بَين يَدي قوم يمترون) . وَعَن سعيد بن جُبَير: (إِذا كَانُوا يذكرُونَ افلا بَأْس) . وَفِي رِوَايَة: (كره سعيد أَن يُصَلِّي وَبَين يَدَيْهِ متحدث) ، وَضرب عمر بن الْخطاب رَضِي اتعالى عَنهُ، رجلَيْنِ أَحدهمَا يسْتَقْبل الآخر وَهُوَ يُصَلِّي.

السَّادِس: قَالَ بَعضهم: وَقد اسْتدلَّ بقولِهَا: غمزني، على أَن لمس الْمَرْأَة لَا ينْقض الْوضُوء، وَتعقب بِاحْتِمَال الْحَائِل أَو بالخصوصية،

<<  <  ج: ص:  >  >>