للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (صلى النَّبِي) هَذِه الصَّلَاة قيل: الظّهْر، وَقيل: الْعَصْر. وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث طَلْحَة بن مصرف عَن إِبْرَاهِيم بِهِ: أَنَّهَا الْعَصْر، فنقص فِي الرَّابِعَة وَلم يجلس حَتَّى صلى الْخَامِسَة. وَمن حَدِيث شُعْبَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهَا الظّهْر وَأَنه صلاهَا خمْسا. قَوْله: (قَالَ إِبْرَاهِيم) أَي: النَّخعِيّ الْمَذْكُور. قَوْله: (لَا أَدْرِي زَاد أَو نقص) مدرج، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَلَا أَدْرِي) ، أَي: فَلَا أعلم هَل زَاد النَّبِي فِي صلَاته أَو نقص، وَالْمَقْصُود أَن إِبْرَاهِيم شكّ فِي سَبَب سُجُود السَّهْو الْمَذْكُور، هَل كَانَ لأجل الزِّيَادَة أَو النُّقْصَان؟ وَهُوَ مُشْتَقّ من النَّقْص الْمُتَعَدِّي لَا من النُّقْصَان اللَّازِم، وَالصَّحِيح كَمَا قَالَ الْحميدِي: إِنَّه زَاد. قَوْله: (أحدث؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، وَمَعْنَاهُ السُّؤَال عَن حُدُوث شَيْء من الْوَحْي يُوجب تَغْيِير حكم الصَّلَاة بِالزِّيَادَةِ على مَا كَانَت معهودة، أَو بِالنُّقْصَانِ عَنهُ. قَوْله: (حدث) بِفَتْح الدَّال مَعْنَاهُ: وَقع، وَأما: حدث، بِضَم الدَّال فَلَا يسْتَعْمل فِي شَيْء من الْكَلَام إلَاّ فِي قَوْلهم: أَخَذَنِي مَا قدُم وَمَا حدُث، للازدواج.

قَوْله: (وَمَا ذَاك؟) سُؤال من لم يشْعر بِمَا وَقع مِنْهُ وَلَا يَقِين عِنْده وَلَا غَلَبَة ظن، وَهُوَ خلاف مَا عِنْدهم حَيْثُ قَالَ: صليت كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ إِخْبَار من يتَحَقَّق مَا وَقع. وَقَوله: (كَذَا وَكَذَا) ، كِنَايَة عَمَّا وَقع إِمَّا زَائِدا على الْمَعْهُود أَو نَاقِصا. قَوْله: (فَثنى) ، بتَخْفِيف النُّون، مُشْتَقّ من الثني أَي: عطف، وَالْمَقْصُود مِنْهُ: فَجَلَسَ كَمَا هوهيئة الْقعُود للتَّشَهُّد. قَوْله: (رجله) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي: (رجلَيْهِ) بالتثنية. قَوْله: (لنبأتكم بِهِ) : لأخبرتكم بِهِ، وَهَذَا من بَاب؛ نبأ، بتَشْديد الْبَاء، وَهُوَ مِمَّا ينصب ثَلَاثَة مفاعيل، وَكَذَلِكَ: أنبأ، منباب أفعل، والثلاثي: نبأ، والمصدر، النبأ، مَعْنَاهُ الْخَبَر. تَقول نبأ وأنبأ ونبأ، أَي: أخبر، وَمِنْه أَخذ النَّبِي لِأَنَّهُ أنبأ عَن اتعالى، وللام فِيهِ لَام الْجَواب. وتفيد التَّأْكِيد أَيْضا، وَزعم بَعضهم أَن: اللَّام، بعد: لَو، جَوَاب قسم مُقَدّر.

فَإِن قلت: أَيْن المفاعيل الثَّلَاثَة هَهُنَا؟ قلت: الأول: ضمير المخاطبين، وَالثَّانِي: الْجَار وَالْمَجْرُور، أَعنِي لَفْظَة: بِهِ، وَالضَّمِير يه يرجع إِلَى الْحُدُوث الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: (لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء) ، كَمَا فِي قَوْله: {أعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: ٨) . وَالثَّالِث: مَحْذُوف. قَوْله: (وَلَكِن إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ) لَا نزاع أَن كلمة؛ إِنَّمَا، للحصر، لَكِن تَارَة تَقْتَضِي الْحصْر الْمُطلق، وَتارَة حصراً مَخْصُوصًا، وَيفهم ذَلِك بالقرائن والسياق، وَمعنى الْحصْر فِي الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإطلاع على بوانط المخاطبين لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل شَيْء، فَإِن لرَسُول الله أوصافاً أخر كَثِيرَة.

قَوْله: (أنسى كَمَا تنسون) ، النسْيَان فِي اللُّغَة خلاف الذّكر ولحفظ، وَفِي الِاصْطِلَاح: النيسان غَفلَة الْقلب عَن الشَّيْء، وَيَجِيء النسْيَان بمنى التّرْك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {نسوا افنسيهم} (وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم) (التَّوْبَة: ٧٦، وَالْبَقَرَة: ٧٣٢) . قَوْله: (فذكروني) أَي: فِي الصَّلَاة بالتسبيح وَنَحْوه. قَوْله: (وَإِذا شكّ أحدكُم) الشَّك فِي اللُّغَة خلاف الْيَقِين، وَفِي الِاصْطِلَاح الشَّك: مَا يَسْتَوِي فِيهِ طرف الْعلم وَالْجهل، وَهُوَ الْوُقُوف بَين الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يمِيل إِلَى أَحدهمَا، فاذا قوي أَحدهمَا وترجح على الآخر، وَلم يَأْخُذ بِمَا رجح وَلم يطْرَح الآخر فَهُوَ الظَّن، وَإِذا عقد الْقلب على أَحدهمَا وَترك الآخر فَهُوَ أكبر الظَّن، وغالب الرَّأْي، فَيكون الظَّن أحد طرقي الشَّك بِصفة الرجحان. قَوْله: (فليتحرَّ) الصَّوَاب التَّحَرِّي: الْقَصْد وَالِاجْتِهَاد فِي الطّلب والعزم على تَخْصِيص الشَّيْء بِالْفِعْلِ وَالْقَوْل، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (فَينْظر أَحْرَى ذَلِك إِلَى الصَّوَاب) . وَفِي رِوَايَة: (فليتحر أقرب ذَلِك إِلَى الصَّوَاب) . وَفِي رِوَايَة: (فليتحر الَّذِي يرى أَنه صَوَاب. وَيعلم من هَذَا أَن التَّحَرِّي طلب أحد الْأَمريْنِ، وأولاهما بِالصَّوَابِ. قَوْله: (فليتم عَلَيْهِ) أَي: فليتم بانياً عَلَيْهِ، وَلَوْلَا تضمين الْإِتْمَام معنى الْبناء لما جَازَ اسْتِعْمَاله بِكَلِمَة الاستعلاء، وَقصد الصَّوَاب فِي الْبناء على غَالب الظَّن عِنْد أبي حنيفَة وَعند الشَّافِعِي: الْأَخْذ بِالْيَقِينِ. قَوْله: (ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ) ، ويروى: (ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ) يَعْنِي للسَّهْو.

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا على جَوَاز النّسخ وَجَوَاز توقع الصَّحَابَة ذَلِك، دلّ على ذَلِك استفهامهم حَيْثُ قيل لَهُ: أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء؟ وَمِنْهَا: أَن فِيهِ جَوَاز وُقُوع السَّهْو من الْأَنْبِيَاء. عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الْأَفْعَال. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء والنظار، وشذت طَائِفَة فَقَالُوا: لَا يجوز على النَّبِي السَّهْو، وَهَذَا الحَدِيث يرد عَلَيْهِم. قلت: هم منعُوا السَّهْو عَلَيْهِ فِي الْأَفْعَال البلاغية، وَأَجَابُوا عَن الوظاهر الْوَارِدَة فِي ذَلِك بِأَن السَّهْو لَا يُنَاقض النُّبُوَّة وَإِذا لم يقر عَلَيْهِ لم تحل مِنْهُ مفْسدَة بل تحصل فِيهِ فَائِدَة، وَهُوَ بَيَان أَحْكَام النَّاس وَتَقْرِير الْأَحْكَام، وَإِلَيْهِ مَال أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز السَّهْو عَلَيْهِ فِي الْأُمُور الَّتِي لَا تتَعَلَّق بالبلاغ وَبَيَان

<<  <  ج: ص:  >  >>