مطابقته للتَّرْجَمَة غير ظَاهِرَة هَهُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صَرِيحًا أَنه كَانَ فِي الْمَسْجِد، والترجمة هُوَ الشّعْر فِي الْمَسْجِد، وَلَكِن البُخَارِيّ روى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب بَدْء الْخلق وَفِيه التَّصْرِيح أَنه كَانَ فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: حدّثنا عَليّ بن عبد احدّثنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ:(مر عمر رَضِي اتعالى عَنهُ، فِي الْمَسْجِد وَحسان ينشد، فلحظ إِلَيْهِ. قَالَ: كنت أنْشد فِيهِ وَفِيه من هُوَ خير مِنْك، ثمَّ الْتفت إِلَى أبي هُرَيْرَة فَقَالَ: أنْشدك با أسمعته، يَقُول: أجب عني، اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس؟ قَالَ: نعم) . وهما حَدِيث وَاحِد، وَيُقَال: إِن الشّعْر الْمُشْتَمل على الْحق مَقْبُول بِدَلِيل دُعَاء النَّبِي، لحسان على شعره، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يمْنَع فِي الْمَسْجِد كَسَائِر الْكَلَام المقبول، وَمُرَاد البُخَارِيّ من وضع هَذِه التَّرْجَمَة هُوَ الْإِشَارَة إِلَى جَوَاز الشّعْر المقبول فِي الْمَسْجِد، والْحَدِيث يدل على هَذَا بِهَذَا الْوَجْه، فَيَقَع التطابق بَين الحَدِيث والترجمة لَا محَالة.
فَإِن قلت: لم يَصح سَماع أبي سَلمَة وَلَا سَماع سعيد من عمر، وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ لما أنكرهُ عمر على حسان. قلت: الْأَمر كَذَلِك، لَكِن يحمل ذَلِك على أَن سعيداً سمع ذَلِك من أبي هُرَيْرَة بعد، أَو سمع ذَلِك من حسان، أَو وَقع لحسان استشهاد أبي هُرَيْرَة مرّة أُخْرَى، فَحَضَرَ ذَلِك سعيد، وَيُؤَيّد هَذَا سِيَاق حَدِيث الْبَاب، فَإِن فِيهِ: إِن أَبَا سَلمَة سمع حسانا يستشهد أَبَا هُرَيْرَة، وَأَبُو سَلمَة لم يدْرك زمن مُرُور عمر أَيْضا فَإِنَّهُ أَصْغَر من سعيد، فَدلَّ على تعدد الاستشهاد. غَايَة مَا فِي الْبَاب هُنَا أَن يكون سعيد أرسل قصَّة الْمُرُور ثمَّ سمع بعد ذَلِك استشهاد حسان لأبي هُرَيْرَة وَهُوَ مَرْفُوع مَوْصُول بِلَا تردد.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة. الأول: أَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَاسم أبي حَمْزَة: دِينَار الْحِمصِي. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو سَلمَة، وَهَؤُلَاء تقدمُوا فِي بَاب كتاب الْوَحْي. الْخَامِس: حسان بن ثَابت بن الْمُنْذر بن الْحَرَام، ضد الْحَلَال، الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، شَاعِر رَسُول ا، من فحول شعراء الْإِسْلَام والجاهلية، وعاش كل وَاحِد مِنْهُم مائَة وَعشْرين سنة وَقَالَ أَبُو نعيم: لَا يعرف فِي الْعَرَب أَرْبَعَة تَنَاسَلُوا من صلب وَاحِد واتفقت مدد أعمارهم هَذَا الْقدر غَيرهم، وعاش حسان فِي الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ سنة وَفِي الْإِسْلَام كَذَلِك، مَاتَ سنة خمسين بِالْمَدِينَةِ. فَإِن قلت: هُوَ منصرف أَو غير منصرف قلت: إِن كَانَ مشتقاً من: الْحسن، فَهُوَ منصرف، وَإِن كَانَ من: الْحس، فَغير منصرف. فَافْهَم. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، وَقد تكَرر ذكره.
فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث يعد من مُسْند حسان أَو من مُسْند أبي هُرَيْرَة؟ قلت: لم يذكر أَبُو مَسْعُود والْحميدِي وَغَيرهمَا أَن لحسان بن ثَابت رِوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَا ذكرُوا لَهُ حَدِيثا مُسْندًا، وَإِنَّمَا أوردوا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة، وَخَالف خلف فَذكره فِي مُسْند حسان، وَأَنه روى عَن النَّبِي، هَذَا الحَدِيث، وَذكر فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة أَن البُخَارِيّ أخرجه فِي الصَّلَاة عَن أبي الْيَمَان، وَذكر ابْن عَسَاكِر لحسان حديثين مسندين: أَحدهمَا هَذَا، وَذكر أَنه فِي (سنَن أبي دَاوُد) من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثه استشهاد حسان بِهِ، وَأَنه فِي النَّسَائِيّ مرّة بالاستشهاد، وَمرَّة من حَدِيث سعيد عَن عمر بِعَدَمِهِ، ثمَّ أوردهُ فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة رَضِي اتعالى عَنهُ، من طَرِيق أبي سَلمَة عَنهُ. وَفِي كتاب (من عَاشَ مائَة وَعشْرين) لِابْنِ مَنْدَه: من حَدِيث عبيد ابْن عبد اعن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: مر عمر رَضِي اتعالى عَنهُ، بِحسان ... . الحَدِيث، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَسَعِيد لم يَصح سَمَاعه من عمر، وَإِن كَانَ سمع ذَلِك من حسان فمتصل.