البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَدْء الْخلق عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي الْأَدَب أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه أبي بكر، وَفِيه أَيْضا عَن أبي الْيَمَان، كَمَا أخرجه هَهُنَا. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن يحيى وَعمر بن مُحَمَّد النَّاقِد، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن عبد ابْن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان بِهِ، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن رَافع وَعبد بن حميد، ثَلَاثَتهمْ عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي خلف، وَأحمد بن عَبدة، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن أَحْمد بن صَالح عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن مَنْصُور فرقهما، كِلَاهُمَا عَن مَنْصُور عَن سُفْيَان بِهِ، وَأخرجه أَيْضا عَن خَمْسَة أنفس، وَأخرجه أَيْضا فِي الْقَضَاء عَن مُحَمَّد بن عبد ابْن بزيغ عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء بن عَازِب عَن حسان بن ثَابت قَالَ: قَالَ لي رَسُول ا: (أهجهم أَو: هاجهم) ، يَعْنِي الْمُشْركين، (وجبرائيل مَعَك) ، رَوَاهُ سُفْيَان بن حبيب عَن شُعْبَة فَجعله من مُسْند الْبَراء رَضِي اتعالى عَنهُ.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (يستشهد أَبَا هُرَيْرَة) أَي: يطْلب مِنْهُ الشَّهَادَة. ومحلها النصب على الْحَال من حسان، فَإِن قيل: لَا بُد فِي الشَّهَادَة من نِصَاب فَكيف ثَبت غَرَض حسان بِشَهَادَة أبي هُرَيْرَة فَقَط؟ أُجِيب: بِأَن هَذِه رِوَايَة حكم شَرْعِي، ويكتفى فِيهَا عدل وَاحِد. وَأطلق الشَّهَادَة على سَبِيل التَّجَوُّز لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة إِخْبَار، فَيَكْفِي فِيهِ عدل وَاحِد، كَمَا بَين ذَلِك فِي مَوْضِعه. قَوْله: (أنْشدك ا) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الشين: مَعْنَاهُ سَأَلتك با. قَالَ الْجَوْهَرِي: نشدت فلَانا أنْشدهُ نشداً إِذا قلت لَهُ: نشدتك ا، أَي: سَأَلتك با، كَأَنَّك ذكرته، إِيَّاه، فنشد أَي تذكر. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: نشدتك اوأنشدك اوبا، وناشدتك اأي: سَأَلتك وَأَقْسَمت عَلَيْك، ونشدته نشدة ونشداناً ومناشدة، وتعديته إِلَى مفعولين إِمَّا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة دَعَوْت، حَيْثُ قَالُوا: نشدتك اوبا، كَمَا قَالُوا: دَعَوْت زيدا وبزيد، أَو لأَنهم ضمنوه معنى ذكرت. وَأما: أنشدتك با فخطأ.
قَوْله: (أجب عَن رَسُول ا) وَفِي رِوَايَة سعيد: (أجب عني) ، وَمعنى الأول: أجب الْكفَّار عَن جِهَة رَسُول ا، وَلَفظ: جِهَة، مُقَدّر، وَيجوز أَن يضمن: أجب معنى: إدفع، وَالْمعْنَى: إدفع عَن رَسُول ا. وَيحْتَمل أَن يكون الأَصْل رِوَايَة سعيد، وَهِي: أجب عني، ثمَّ نقل حسان ذَلِك بِالْمَعْنَى. وَزَاد فِيهِ لَفْظَة؛ رَسُول ا، تَعْظِيمًا لَهُ، وَيحْتَمل أَن تكون تِلْكَ لَفْظَة رَسُول ا، بِعَيْنِه لأجل المهابة وتقوية لداعي الْمَأْمُور، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذا عزمت فتوكل على ا} (آل عمرَان: ٩٥١) وكما يَقُول الْخَلِيفَة: أَمِير الْمُؤمنِينَ يرسم لَك، لِأَن فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وتقوية للْمَأْمُور ومهابة بِخِلَاف، قَوْله؛ أَنا أرسم. وَالْمرَاد بالإجابة: الرَّد على الْكفَّار الَّذين هجوا رَسُول ا.
قَوْله: (اللَّهُمَّ أيده) هَذَا دُعَاء من رَسُول ا، لحسان، دَعَا لَهُ بالتأييد، وَهُوَ الْقُوَّة على الْكفَّار. قَوْله: (بِروح الْقُدس) : الْبَاء: فِيهِ تتَعَلَّق بقوله: أيده، وَالْمرَاد: بِروح الْقُدس، هُنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث الْبَراء بِلَفْظ: وَجِبْرِيل مَعَك. والقدس، بِضَم الْقَاف وَالدَّال بِمَعْنى: الطُّهْر، وَسمي جِبْرِيل بذلك لِأَنَّهُ خلق من الطُّهْر. وَقَالَ كَعْب: الْقُدس الرب، عز وَجل، وَمعنى: روح الْقُدس روح ا، وَإِنَّمَا سمي بِالروحِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْبَيَانِ عَن اتعالى فتحيي بِهِ الْأَرْوَاح. وَقيل: معنى الْقُدس الْبركَة، وَمن أَسمَاء اتعالى: القدوس، أَي: الطَّاهِر المنزه عَن الْعُيُوب والنقائص، وَمِنْه الأَرْض المقدسة، وَبَيت الْمُقَدّس، لِأَنَّهُ الْموضع الَّذِي يتقدس فِيهِ، أَي: يتَطَهَّر فِيهِ من الذُّنُوب.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام الأول: فِيهِ الدّلَالَة على أَن الشّعْر الْحق لَا يحرم فِي الْمَسْجِد، وَالَّذِي يحرم فِيهِ مَا فِيهِ الخناء والزور وَالْكَلَام السَّاقِط، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث عَائِشَة: (كَانَ رَسُول الله ينصب لحسان منبراً فِي الْمَسْجِد فَيقوم عَلَيْهِ ويهجو الْكفَّار) . فَإِن قلت: روى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن عبد ابْن سعيد حدّثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن ابْن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: (نهى رَسُول الله عَن تناشد الْأَشْعَار فِي الْمَسَاجِد) ، وَحسنه الحافظان: الطوسي وَالتِّرْمِذِيّ، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث صَدَقَة بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن عبد االشعبي عَن زفر بن وثيمة عَن حَكِيم بن حزَام مَرْفُوعا: (نهى النَّبِي أَن يستقاد فِي الْمَسْجِد، وَأَن تنشد فِيهِ الْأَشْعَار، وَأَن تُقَام فِيهِ الْحُدُود) . وروى عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) من حَدِيث ابْن الْمُنْكَدر: عَن أسيد بن عبد الرَّحْمَن: (أَن شَاعِرًا جَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute