للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَاخْتلفُوا فِيمَن أعتق على أَن لَا وَلَاء لَهُ وَهُوَ الْمُسَمّى بالسائبة، فمذهب الْجُمْهُور أَن الشَّرْط بَاطِل وَالْوَلَاء لمن اعْتِقْ، وَمذهب أَحْمد أَنه لم يكن لَهُ الْوَلَاء عَلَيْهِ، فَلَو أَخذ من مِيرَاثه شَيْئا رده فِي مثله. وَقَالَ مَالك وَمَكْحُول وَأَبُو الْعَالِيَة وَالزهْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي اعنه: يَجْعَل، وَلَاؤُه لجَمِيع الْمُؤمنِينَ، كَذَا فعله بعض الصَّحَابَة.

الرَّابِع: فِيهِ دَلِيل على تنجم الْكِتَابَة، لقولها: (كاتبت أَهلِي على تسع أَوَاقٍ، فِي كل عَام أُوقِيَّة) . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَلَيْسَ فِيهِ تعرض للكتابة الْحَالة فيتكلم عَلَيْهِ. قلت: يجوز عِنْد أَصْحَابنَا أَن يشْتَرط المَال حَالا ومنجماً لظَاهِر قَوْله تَعَالَى: {فكاتبوهم إِن علمْتُم} (النُّور: ٣٣) من غير شَرط التنجم والتأجيل، فَلَا يُزَاد على النَّص بِالرَّأْيِ، وَبِه قَالَ مَالك. وَفِي (الْجَوَاهِر) : قَالَ أَبُو بكر: ظَاهر قَول مَالك: إِن التنجيم والتأجيل شَرط فِيهِ، ثمَّ قَالَ: وعلماؤنا النظار يَقُولُونَ: إِن الْكتاب الحالية جَائِزَة ويسمونها قطاعة، وَهُوَ الْقيَاس. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز حَالا. وَلَا بُد من نجمين، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي ظَاهر رِوَايَته.

الْخَامِس: اشْتِرَاط الْوَلَاء للْبَائِع هَل يفْسد العقد؟ فِيهِ خلاف، فظاهرا لحَدِيث أَنه لَا يُفْسِدهُ لما قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: (واشترطي لَهُم الْوَلَاء) . وَلَا يَأْذَن النَّبِي، فِي عقد بَاطِل. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: إِذا قُلْنَا إِن صَحِيح فَهَل يَصح الشَّرْط؟ فِيهِ اخْتِلَاف فِي مَذْهَب الشَّافِعِي، وَالْقَوْل بِبُطْلَانِهِ مُوَافق لألفاظ الحَدِيث. فَإِن قلت: كَيفَ يَأْذَن النَّبِي فِي البيع على شَرط فَاسد؟ وَكَيف يَأْذَن فِي البيع حَتَّى يَقع على هَذَا الشَّرْط وَيقدم البَائِع عَلَيْهِ ثمَّ يبطل اشْتِرَاطه؟ قلت: أُجِيب: عَنهُ، بأجوبة: الأول: مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: وَهُوَ أَنه لم يُوجد اشْتِرَاط الْوَلَاء فِي حَدِيث عَائِشَة إلَاّ من رِوَايَة مَالك عَن هِشَام، فَأَما من سواهُ وَهُوَ: اللَّيْث بن سعد وَعَمْرو بن الْحَارِث فَإِنَّهُمَا رويا عَن هِشَام عَن السُّؤَال لولاء بَرِيرَة ءنما كَانَ من عَائِشَة لأَهْلهَا بأَدَاء مكاتبتها إِلَيْهِم، فَقَالَ: (لَا يمنعك ذَلِك عَنْهَا: ابتاعي وأعتقي وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن اعْتِقْ) . وَهَذَا خلاف مَا رَوَاهُ مَالك عَن هِشَام: (خذيها واشرطي، فَإنَّا الْوَلَاء لمن أعتق) ، مَعَ أَنه يحْتَمل أَن يكون معنى: أشرطي: أظهري، لِأَن الإشراط فِي كَلَام الْعَرَب الْإِظْهَار، وَمِنْه قَول أَوْس بن حجر.

(فأشرط فِيهَا نَفسه وَهُوَ معصم)

أَي: أظهر نَفسه، أَي: أظهري الْوَلَاء الَّذِي يُوجب اعتقاك إِنَّه لمن يكون الْعتاق مِنْهُ دون من سواهُ. الثَّانِي: أَن معنى: (واشترطي لَهُم) أَي: عَلَيْهِم، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: ٧) قيل: فِيهِ نظر، لِأَن سِيَاق الحَدِيث وَكَثِيرًا من أَلْفَاظه يَنْفِيه، ورد بِأَن الْقَرِينَة الحالية تدل على هَذَا مَعَ أَن مَجِيء: اللَّام، بِمَعْنى: على، كثير فِي الْقُرْآن والْحَدِيث والأشعار، على مَا لَا يخفى. الثَّالِث: أَنه على الْوَعيد الَّذِي ظَاهره الْأَمر وباطنه النَّهْي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} (فصلت: ٠٤) وَقَوله: {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم} (الْإِسْرَاء: ٤٦) أَلَا ترى أَنه صعد الْمِنْبَر وخطب وَقَالَ: مَا بَال رجال ... إِلَى آخِره.

الرَّابِع: أَنه قد كَانَ أخْبرهُم بِأَن الْوَلَاء لمن. اعْتِقْ، ثمَّ أقدموا على اشْتِرَاط مَا يُخَالف هَذَا الحكم الَّذِي علموه، فَور دهذا اللَّفْظ على سَبِيل الزّجر والتوبيخ والنكير لمخالفتهم الحكم الشَّرْعِيّ. الْخَامِس: أَن إبِْطَال هَذَا الشَّرْط عُقُوبَة ونكال لمعاندتهم فِي الْأَمر الشَّرْعِيّ، فَصَارَ هَذَا من بَاب الْعقُوبَة بِالْمَالِ كحرمان الْقَاتِل من الْمِيرَاث، وَكَانَ بَين لَهُم حكم الْوَلَاء، وَأَن هَذَا الشَّرْط لَا يحل، فَلَمَّا أحوا وعاندوا أبطل شرطهم. السَّادِس: أَن هَذَا خَاص بِهَذِهِ الْقَضِيَّة عَام فِي سَائِر الصُّور، وَيكون سَبَب التَّخْصِيص بِإِبْطَال هَذَا الشَّرْط الْمُبَالغَة فِي زجرهم عَن هَذَا الِاشْتِرَاط الْمُخَالف للشَّرْع، كَمَا أَن فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة كَانَ خَاصّا بِتِلْكَ الْوَاقِعَة، مُبَالغَة فِي إِزَالَة مَا كَانُوا عَلَيْهِ من منع الْعمرَة فِي أشهر الْحَج. وَقَالَ القَاضِي: الْمُشكل فِي هَذَا الحَدِيث مَا وَقع من طَرِيق هِشَام هُنَا، وَهُوَ قَوْله: (اشتريها وأعتقيها واشترطي لَهُم الْوَلَاء) ، كَيفَ أمرهَا رَسُول ا، بِهَذَا وَفِيه عقد بيع على شَرط لَا يجوز، وتغرير بالبائعين إِذا شَرط لَهُم مَا لَا يَصح؟ وَلما صَعب الِانْفِصَال عَن هَذَا على بعض النَّاس أنكر هَذَا الحَدِيث أصلا، فحكي ذَلِك عَن يحيى بن أكتم وَقد وَقع فِي كثير من الرِّوَايَات سُقُوط هَذِه اللَّفْظَة، وَهَذَا الَّذِي شجع يحيى على إنكارها.

السَّادِس من الْأَحْكَام: مَا قَالَه الْخطابِيّ: إِن فِيهِ دَلِيلا على جَوَاز بيع الْمكَاتب، رَضِي بِهِ أَو لم يرض، عجز عَن أَدَاء نجومه أَو لم: يعجز، أدّى بعض النُّجُوم أم لَا. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: اخْتلفُوا فِي بيع الْمكَاتب عل ثَلَاثَة مَذَاهِب: الْمَنْع، وَالْجَوَاز، وَالْفرق بَين أَن يَشْتَرِي لِلْعِتْقِ فَيجوز أَو للاستخدام فَلَا. أما من أجَاز بَيْعه فاستدل بِهَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ ثَبت أَن بَرِيرَة كَانَت مُكَاتبَة، وَهُوَ قَول عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَأحمد وَمَالك فِي رِوَايَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك فِي رِوَايَة: لَا يجوز بَيْعه، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَرَبِيعَة. قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة

<<  <  ج: ص:  >  >>