للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَصْحَابه أَنه لَا يجوز بيع الْمكَاتب مَا دَامَ مكَاتبا حَتَّى يعجز، وَلَا يجوز بيع مكَاتبه بِحَال، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي بِمصْر، وَكَانَ بالعراق يَقُول: يجوز بَيْعه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقَالَ بعض الْعلمَاء: يجوز بَيْعه لِلْعِتْقِ لَا للاستخدام.

السَّابِع: مَا قَالَه الْخطابِيّ: فِيهِ جَوَاز بيع الرَّقَبَة بِشَرْط الْعتْق، لِأَن الْقَوْم قد تنازعوا الْوَلَاء وَلَا يكون الْوَلَاء إلَاّ بعد الْعتْق، فَدلَّ أَن الْعتْق كَانَ مَشْرُوطًا فِي البيع. قلت: إِذا اشْترط البَائِع على الْمُبْتَاع إِيقَاع معنى من مَعَاني الْبر فَإِن اشْترط عَلَيْهِ من ذَلِك مَا يتعجل كَالْعِتْقِ الْمُعَجل فَذَلِك جَائِز عِنْد الشَّافِعِي، وَلَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة. فَإِن امْتنع البَائِع من إِنْفَاذ الْعتْق؟ فَقَالَ أَشهب: يجْبر على الْعتْق. وَقَالَ ابْن كنَانَة: لَو رَضِي البَائِع بذلك لم يكن لَهُ ذَلِك وَيعتق عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن كَانَ اشْتَرَاهُ على إِيجَاب الْعتْق فَهُوَ حر، وَإِن كَانَ اشْتَرَاهُ من غير إِيجَاب عتق لم يجْبر على عتق، والإيجاب أَن يَقُول: إِن اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حر، وَإِن لم يقل ذَلِك، وَإِنَّمَا اشْترط أَن يسْتَأْنف عتقه بعد كَمَال ملكه فَلَيْسَ بِإِيجَاب. وَقَالَ الشَّافِعِي: البيع فَاسد ويمضي الْعتْق اتبَاعا للسّنة، وَرُوِيَ عَنهُ: البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل، وروى الْمُزنِيّ عَنهُ: لَا يجوز تصرف المُشْتَرِي بِحَال فِي البيع الْفَاسِد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَاسْتحْسن أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن أَن ينجز لَهُ الْعتْق وَيجْعَل عَلَيْهِ الثّمن، وَإِن مَاتَ قبل أَن يعتقهُ كَانَت عَلَيْهِ الْقيمَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: الْعتْق جَائِز وَعَلِيهِ الْقيمَة، وَالْحجّة لأبي حنيفَة فِي هَذَا الْبَاب وَأَمْثَاله حَدِيث عبد ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي: أَنه نهى عَن بيع وَسلف وَعَن شرطين فِي بيعَة، وَعنهُ أَيْضا: لَا يحل سلف وَلَا بيع وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع، أخرجه الْأَرْبَعَة والطَّحَاوِي بأسانيد صِحَاح، وفسروا قَوْله: وَعَن شرطين فِي بيع، بِأَن البيع فِي نَفسه شَرط، فَإِذا شَرط فِيهِ شَرط آخر فقد صَار شرطين. وَقَول الْخطابِيّ: فَدلَّ أَن الْعتْق كَانَ مَشْرُوطًا فِي البيع لَا دَلِيل لَهُ فِيهِ ظَاهرا، وَالْحكم بِهِ عى جَوَاز البيع بِالشّرطِ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ مُخَالف لظَاهِر الحَدِيث الصَّحِيح.

الثَّامِن: مَا قَالَه الْخطابِيّ فِيهِ أَيْضا: إِنَّه لَيْسَ كل شَرط يشْتَرط فِي بيع كَانَ قادحاً فِي أَصله ومفسداً لَهُ، وَإِن معنى مَا ورد من النَّهْي عَن بيع وَشرط منصرف إِلَى بعض الْبيُوع وَإِلَى نوع من الشُّرُوط، وَقَالَ عِيَاض: الشُّرُوط الْمُقَارنَة للْبيع ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: أَن يكون من مُقْتَضى العقد: كالتسليم وَجَوَاز التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع، وَهَذَا لَا خلاف فِي جَوَاز اشْتِرَاطه لِأَنَّهُ يقْضِي بِهِ وَإِن لم يشْتَرط. وَالثَّانِي: أَن لَا يكون من مُقْتَضَاهُ، وَلكنهَا من مصْلحَته: كالتحميل وَالرَّهْن وَاشْتِرَاط الْخِيَار، فَهَذَا أَيْضا يجوز اشْتِرَاطه لِأَنَّهُ من مصْلحَته فَأشبه مَا كَانَ من مُقْتَضَاهُ. وَالثَّالِث: أَن يكون خَارِجا عَن ذَلِك مِمَّا لَا يجوز اشْتِرَاطه فِي الْعُقُود، بل يمْنَع من مُقْتَضى العقد أَو يُوقع فِيهِ غرراً أَو غير ذَلِك من الْوُجُوه الممنوعة، فَهَذَا مَوضِع اضْطِرَاب الْعلمَاء. وَا تَعَالَى أعلم.

قلت: عِنْد أَصْحَابنَا البيع بِالشّرطِ على ثَلَاثَة أوجه. الأول: البيع وَالشّرط كِلَاهُمَا جائزان، وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع: أَحدهَا: أَن كل شَرط يَقْتَضِيهِ العقد ويلائمه فَلَا يُفْسِدهُ بِأَن يَشْتَرِي أمة بِشَرْط أَن تخدمه أَو يَغْشَاهُ، أَو دَابَّة بِشَرْط أَن يركبهَا وَنَحْو ذَلِك. النَّوْع الثَّانِي: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَكِن يلائمه بِأَن يشْتَرط أَن يرهنه بِالثّمن رهنا، وَسَماهُ أَن يُعْطِيهِ كَفِيلا وَسَماهُ وَالْكَفِيل حَاضر فَقبله، وَكَذَلِكَ الْحِوَالَة، جَازَ اسْتِحْسَانًا خلافًا لزفَر. النَّوْع الثَّالِث: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يلائمه، وَلَكِن ورد الشَّرْع بِجَوَازِهِ: كالخيار وَالْأَجَل، أَو لم يرد الشَّرْع بِهِ وَلكنه مُتَعَارَف متعامل بَين النَّاس بِأَن اشْترى نعلا على أَن يحذوه البَائِع، أَو قلنسوة بِشَرْط أَن يبطنه. جَازَ اسْتِحْسَانًا خلافًا لزفَر. الْوَجْه الثَّانِي: البيع وَالشّرط كِلَاهُمَا فاسدان، وَهُوَ كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يلائمه، وَفِيه مَنْفَعَة لأَحَدهمَا أَو للمعقود عَلَيْهِ. بِأَن اشْترى حِنْطَة على أَن يطحنها البَائِع، أَو عبدا على أَن لَا يَبِيعهُ، وَكَذَا على أَن لَا يعتقهُ خلافًا للشَّافِعِيّ فِيهِ، فَإِن أعْتقهُ ضمن الثّمن اسْتِحْسَانًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا قِيمَته. الْوَجْه الثَّالِث: البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل، وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة بل فِيهِ مضرَّة بِأَن بَاعَ ثوبا أَو دَابَّة بِشَرْط أَن لَا يَبِيعهُ وَلَا يَهبهُ، أَو طَعَاما بِشَرْط أَن لَا يَأْكُل وَلَا يَبِيع، جَازَ البيع وَبَطل الشَّرْط. الثَّانِي: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة وَلَا مضرَّة لأحد، بِأَن بَاعَ طَعَاما بِشَرْط أَن يَأْكُلهُ جَازَ البيع وَبَطل الشَّرْط. الثَّالِث: كل شَرط يُوجب مَنْفَعَة لغير الْمُتَعَاقدين وَالْمَبِيع نَحْو: البيع بِشَرْط أَن يقْرض أَجْنَبِيّا لَا يفْسد البيع.

التَّاسِع: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا وَلَاء لمن أسلم على يَدَيْهِ، وَلَا لمن حَالف إنْسَانا على المناصرة، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: فِيهِ حصر الْوَلَاء للْمُعْتق فيقضتي ذَلِك أَن لَا وَلَاء بِالْحلف والموالاة وبإسلام الرجل على يَد الرجل

<<  <  ج: ص:  >  >>