قَالَت: أَربع رَكْعَات يزِيد مَا شَاءَ) ، رَوَاهُ أَبُو يعلى فِي مُسْنده، وَفِيه: (لَا يفصل بَينهُنَّ بِسَلام) . فَإِن قلت: روى الْأَرْبَعَة عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ: (صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ، قلت: لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ سكت عَنهُ، إلَاّ أَنه قَالَ: اخْتلف أَصْحَاب شُعْبَة فِيهِ، فرفعه بَعضهم وَوَقفه بَعضهم، وَرَوَاهُ الثِّقَات عَن عبد ابْن عمر عَن النَّبِي وَلم يذكر فِيهِ صَلَاة النَّهَار، وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي خطأ، وَقَالَ فِي (سنَنه الْكُبْرَى) إِسْنَاد جيد إلَاّ أَن جمَاعَة من أَصْحَاب ابْن عمر خالفوا الْأَزْدِيّ فِيهِ، فَلم يذكرُوا فِيهِ النَّهَار، مِنْهُم: سَالم وَنَافِع وَطَاوُس. والْحَدِيث فِي (الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث جمَاعَة عَن ابْن عمر وَلَيْسَ فِيهِ ذكر النَّهَار، وروى الطَّحَاوِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبعا. وبالليل رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: فمحال أَن يروي ابْن عمر عَن رَسُول الله شَيْئا ثمَّ يُخَالف ذَلِك، فَعلم بذلك أَنه كَانَ مَا رُوِيَ عَنهُ عَن رَسُول الله ضَعِيفا، أَو كَانَ مَوْقُوفا غير مَرْفُوع. فَإِن قلت: روى الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي (تَارِيخ اصفهان) : عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول ا: (صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ، وروى إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي (غَرِيب الحَدِيث) عَنهُ قَالَ: (صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ؟ قلت: الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أصح مِنْهُمَا وَأقوى وَأثبت، وعَلى تَقْدِير التَّسْلِيم نقُول: مَعْنَاهُ شفعاً لَا وترا، بسبيل إِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم على اللَّازِم مجَازًا جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ.
وَفِيه إِن قَوْله: (فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح صلى وَاحِدَة) ، احْتج بِهِ من يَقُول: إِن الْوتر رَكْعَة وادة، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن مجلز، قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يحدث عَن النَّبِي قَالَ: (الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل) ، وَإِلَيْهِ ذهب عَطاء بن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن الْمسيب وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَدَاوُد، وهم جعلُوا هَذَا الحَدِيث أصلا فِي الإيتار بِرَكْعَة، إلَاّ أَن مَالِكًا قَالَ: وَلَا بُد أَن يكون قبلهَا شفع ليسلم بَينهُنَّ فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَعنهُ: لَا بَأْس أَن يُوتر الْمُسَافِر بِوَاحِدَة، وَكَذَا فعله سَحْنُون فِي مَرضه، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الرَّكْعَة الْوَاحِدَة لم تشرع إلَاّ فِي الْوتر، وَفعله أَبُو بكر وَعمر، وَرُوِيَ عَن عُثْمَان وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَأبي مُوسَى وَابْن الزبير وَعَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهُم.
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد، فِي رِوَايَة الْحسن بن حَيّ وَابْن الْمُبَارك: الْوتر ثَلَاث رَكْعَات لَا يسلم إلَاّ فِي آخِرهنَّ كَصَلَاة الْمغرب، وَقَالَ أَبُو عمر: يرْوى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَعلي ابْن أبي طَالب وَعبد ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت وَأنس بن مَالك وَأبي أُمَامَة وَحُذَيْفَة وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَأَجَابُوا عَمَّا احتجت بِهِ أهل الْمقَالة الأولى من الحَدِيث الْمَذْكُور وَنَحْوه فِي هَذَا الْبَاب بِأَن قَوْله: (الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل) ، يحْتَمل مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يكون رَكْعَة مَعَ شفع تقدمها، وَذَلِكَ كُله وتر، فَتكون تِلْكَ الرَّكْعَة توتر الشفع الْمُتَقَدّم لَهَا، وَقد بَين ذَلِك آخر حَدِيث الْبَاب الَّذِي احْتج بِهِ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ قَوْله: (فأوترت لَهُ مَا صلى) ، وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الثَّانِي من هَذَا الْبَاب: (فأوتر بِوَاحِدَة توتر لَك مَا قد صليت) ، وَآخر حَدِيثهمْ حجَّة عَلَيْهِم، وروى التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه) : عَن عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ، أَن رَسُول ا: (كَانَ يُوتر بِثَلَاث) ، الحَدِيث، وروى الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) عَن عَائِشَة، قَالَت: (كَانَ رَسُول ا، يُوتر بِثَلَاث لَا يعْقد إلَاّ فِي آخِره) ، وروى النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة عَن سعيد بن هِشَام عَن عَائِشَة، قَالَت: (كَانَ رَسُول ا، لَا يسلم فِي رَكْعَتي الْوتر) . وَقَالَ الْحَاكِم: لَا يسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الْوتر، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وروى الإِمَام مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن: (أَن النَّبِي، كَانَ يُوتر بِثَلَاث) الحَدِيث، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَليّ بن عبد ابْن عَبَّاس عَن أَبِيه أَنه رقد عِنْد رَسُول الله فَذكر الحَدِيث.
وَفِيه؛ ثمَّ أوتر بِثَلَاث، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة يحيى بن الجزار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي من اللَّيْل ثَمَان رَكْعَات ويوتر بِثَلَاث) ، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن أبي بن كَعْب: (أَن رَسُول الله كَانَ يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات) ، وروى ابْن مَاجَه من رِوَايَة الشّعبِيّ، قَالَ: سَأَلت عبد ابْن عَبَّاس وَعبد ابْن عمر رَضِي اتعالى عَنْهُم، عَن صَلَاة رَسُول الله فَقَالَا: ثَلَاث عشرَة، مِنْهَا: ثَمَان بِاللَّيْلِ ويوتر بِثَلَاث وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْفجْر، وروى الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث عبد ابْن مَسْعُود، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (وتر اللَّيْل ثَلَاث كوتر النَّهَار: صَلَاة الْمغرب) . وروى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute