وبفتح التَّاء وَتَشْديد الْمِيم، قَالَ الْخطابِيّ: يرْوى على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَفْتُوحَة التَّاء مُشَدّدَة الْمِيم، وَأَصله: تتضامون، حذفت إِحْدَى التائين، أَي: لَا يضام بَعْضكُم بَعْضًا كَمَا تَفْعَلهُ النَّاس فِي طلب الشَّيْء الْخَفي الَّذِي لَا يسهل دركه فيتزاحمون عِنْده، يُرِيد أَن كل وَاحِد مِنْهُم وادع مَكَانَهُ لَا ينازعه فِي رُؤْيَته أحد. وَالْآخر: لَا تضَامون من: الضيم، أَي: لَا يضيم بَعْضكُم بَعْضًا فِي رُؤْيَته. وَقَالَ التَّيْمِيّ: لَا تضَامون، بتَشْديد الْمِيم، مُرَاده: أَنكُمْ لَا تختلفون إِلَى بعض فِيهِ حَتَّى تجتمعوا للنَّظَر، وينضم بَعْضكُم إِلَى بعض فَيَقُول وَاحِد: هُوَ ذَاك، وَيَقُول الآخر: لَيْسَ ذَاك، كَمَا تَفْعَلهُ النَّاس عِنْد النّظر إِلَى الْهلَال أول الشَّهْر، وبتخفيفها، مَعْنَاهُ: لَا يضيم بَعْضكُم بَعْضًا بِأَن يَدْفَعهُ عَنهُ أَو يستأثر بِهِ دونه. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي أَي: لَا يَقع لكم فِي الرُّؤْيَة ضيم وَهُوَ الذل، وَأَصله: تضيمون فالقيت حَرَكَة الْيَاء على الضَّاد فَصَارَت الْيَاء ألفا لانفتاح مَا قبلهَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَا تضَامون، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف الْمِيم، وَعَلِيهِ أَكثر الروَاة، وَالْمعْنَى لَا ينالكم ضيم، والضيم أَصله: الظُّلم، وَهَذَا الضيم يلْحق الرَّائِي من وَجْهَيْن: أَحدهمَا من مزاحمة الناظرين لَهُ، أَي: لَا تزدحمون فِي رُؤْيَته فيراه بَعْضكُم دون بعض، وَلَا يظلم بَعْضكُم بَعْضًا. وَالثَّانِي: من تَأَخره عَن مقَام النَّاظر الْمُحَقق، فَكَأَن الْمُتَقَدِّمين ضاموه، ورؤية الله عز وَجل يَسْتَوِي فِيهَا الْكل، فَلَا ضيم وَلَا ضَرَر وَلَا مشقة. وَفِي رِوَايَة: (لَا تضَامون، أَو لَا تضاهون) . يَعْنِي: على الشَّك، أَي: لَا يشْتَبه عَلَيْكُم وترتابون فيعارض بَعْضكُم بَعْضًا فِي رُؤْيَته. وَقيل: لَا تشبهونه فِي رُؤْيَته بِغَيْرِهِ من المرئيات. وَرُوِيَ: (تضَارونَ) ، بالراء الْمُشَدّدَة وَالتَّاء مَفْتُوحَة ومضمومة. وَقَالَ الزّجاج: مَعْنَاهُمَا لَا تتضارون أَي: لَا يضار بَعْضكُم بَعْضًا فِي رُؤْيَته بالمخالفة. وَعَن ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ تتفاعلون من الضرار، أَي: لَا تتنازعون وتختلفون. وَرُوِيَ إيضا: لَا تضَارونَ، بِضَم التَّاء وَتَخْفِيف الرَّاء، أَي: لَا يَقع للمرء فِي رُؤْيَته ضير مَا بالمخالفة أَو الْمُنَازعَة أَو الخفأ. وَرُوِيَ: تمارون، برَاء مُخَفّفَة يَعْنِي: تجادلون أَي لَا يدخلكم شكّ قَوْله (فان اسْتَطَعْتُم ان لَا تغلبُوا) بِلَفْظ الْمَجْهُول وَكلمَة ان مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير ان لاتغلبوا أَي: من الْغَلَبَة بِالنَّوْمِ والاشتغال بِشَيْء من الْأَشْيَاء الْمَانِعَة عَن الصَّلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس، وَقبل غُرُوبهَا قَوْله: (فافعلوا) أَي: الصَّلَاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ، وَزَاد مُسلم بعد قَوْله: قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا يَعْنِي الْعَصْر وَالْفَجْر وَفِي رِوَايَة ابْن مردوية من وَجه آخر عَن اسماعيل (قبل طُلُوع الشَّمْس صَلَاة الصُّبْح، وَقبل غُرُوبهَا صَلَاة الْعَصْر) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا المُرَاد بِلَفْظ: إفعلوا؟ إِذْ لَا يَصح أَن يُرَاد إفعلوا الِاسْتِطَاعَة، أَو إفعلوا عدم المغلوبية؟ قلت: عدم المغلوبية كِنَايَة عَن الْإِتْيَان بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ لَازم الْإِتْيَان، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَأتوا بِالصَّلَاةِ فاعلين لَهَا. انْتهى. قلت: لَو وَقدر مفعول: إفعلوا، مثل مَا قَدرنَا لَكَانَ اسْتغنى عَن هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب. قَوْله: (ثمَّ قَرَأَ) لم يبين فَاعل: قَرَأَ، من هُوَ فِي جَمِيع رِوَايَات البُخَارِيّ. وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: هَذَا تخمين وحسبان. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي فِي شَرحه: لم يبين أحد فِي رِوَايَته من قَرَأَ، ثمَّ سَاق من طَرِيق أبي نعيم فِي (مستخرجه) أَن جَرِيرًا قَرَأَهُ. قلت: وَقع عِنْد مُسلم عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة بِإِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَرَأَ جرير، أَي الصَّحَابِيّ. وَكَذَا أخرجه أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) : من طَرِيق يعلى بن عبيد عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، فالعجب من الشَّيْخ قطب الدّين كَيفَ ذهل عَن عُرْوَة إِلَى مُسلم. قَوْله: (فسبح) التِّلَاوَة، وَسبح: بِالْوَاو، لَا: بِالْفَاءِ، المُرَاد بالتسبيح: الصَّلَاة. قَوْله: (افعلوا) ، أَي: افعلوا هَذِه الصَّلَاة لَا تفوتكم، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى الصَّلَاة، وَهُوَ بنُون التَّأْكِيد، وَهُوَ مدرج من كَلَام إِسْمَاعِيل، كَذَلِك ثمَّ قَرَأَ مدرج.
ذكر الرِّوَايَات فِي قَوْله: (إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ هَذَا الْقَمَر لَا تضَامون فِي رُؤْيَته) ، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: (إِذْ نظر إِلَى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، فَقَالَ: أما أَنكُمْ سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ هَذَا، لَا تضَامون، أَو لَا تضاهون فِي رُؤْيَته) . وَفِي كتاب التَّوْحِيد: (أَنكُمْ سَتَرَوْنَ ربكُم عيَانًا) . وَفِي التَّفْسِير: (فَنظر إِلَى الْقَمَر لَيْلَة أَربع عشرَة) ، وَعَن اللالكائي عَن البُخَارِيّ: (أَنكُمْ ستعرضون على ربكُم وترونه كَمَا ترَوْنَ هَذَا الْقَمَر) . وَعند الدَّارَقُطْنِيّ: وَقَالَ زيد بن أبي أنيسَة: (فتنظرون إِلَيْهِ كَمَا تنْظرُون إِلَى هَذَا الْقَمَر) ، وَقَالَ وَكِيع: (ستعاينون) ، وَسَيَأْتِي عِنْد البُخَارِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد: (هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس فِي الظهيرة لَيست فِي سَحَابَة؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَيْسَ فِيهِ سَحَابَة؟) . قَالُوا: لَا. قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته إِلَّا كَمَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة أَحدهمَا) . وَعَن أبي مُوسَى عِنْده بِنَحْوِهِ، وَعَن أبي رزين الْعقيلِيّ: (قلت: يَا رَسُول الله أكلنَا يرى ربه منجليا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة؟ . قَالَ: نعم. قَالَ: وَمَا آيَة ذَلِك فِي خلقه؟ قَالَ: يَا أَبَا رزين، أَلَيْسَ كلكُمْ يرى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر منجليا بِهِ؟ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute