فَالله أعظم وَأجل، وَذَلِكَ آيَة فِي خلقه) . وَعند ابْن مَاجَه عَن جَابر:(بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب قد أشرف عَلَيْهِم، فَينْظر إِلَيْهِم وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ) . وَعَن صُهَيْب عِنْد مُسلم، فَذكر حَدِيثا فِيهِ:(فَيكْشف الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فوَاللَّه مَا أَعْطَاهُم الله تَعَالَى شَيْئا أحب إِلَيْهِم من النّظر إِلَيْهِ) . وَفِي (سنَن اللالكائي) : عَن أنس وَأبي بن كَعْب وَكَعب بن عجْرَة: (سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الزِّيَادَة فِي كتاب الله تَعَالَى، قَالَ: النّظر إِلَى وَجهه) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَهُوَ على وُجُوه. الأول: اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَبِالْقُرْآنِ وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ على إِثْبَات رُؤْيَة الله فِي الْآخِرَة للْمُؤْمِنين، وَقد روى أَحَادِيث الرُّؤْيَة أَكثر من عشْرين صحابيا، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم: روى رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ لرَبهم عز وَجل فِي الْقِيَامَة: أَبُو بكر وَعلي بن أبي طَالب ومعاذ بن جبل وَابْن مَسْعُود وَأَبُو مُوسَى وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَحُذَيْفَة وَأَبُو أُمَامَة وَأَبُو هُرَيْرَة وَجَابِر وَأنس وعمار بن يَاسر وَزيد بن ثَابت وَعبادَة بن الصَّامِت وَبُرَيْدَة بن حصيب وجنادة بن أبي أُميَّة وفضالة بن عبيد وَرجل لَهُ صُحْبَة بِالنَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ذكر أَحَادِيثهم بأسانيد غالبها جيد، وَذكر أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي (كتاب تثبيت النّظر) أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ وَعمارَة بن رؤيبة وَأَبا رزين الْعقيلِيّ وَأَبا بَرزَة. وَزَاد الْآجُرِيّ فِي (كتاب الشَّرِيعَة) وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي الشَّيْخ فِي (كتاب السّنة الْوَاضِحَة) تأليفهما: عدي بن حَاتِم الطَّائِي بِسَنَد جيد، والرؤية مُخْتَصَّة بِالْمُؤْمِنِينَ مَمْنُوعَة من الْكفَّار. وَقيل: يرَاهُ مُنَافِقُو هَذِه الْأمة، وَهَذَا ضَعِيف، وَالصَّحِيح أَن الْمُنَافِقين كالكفار بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَعَن ابْن عمر وَحُذَيْفَة: من أهل الْجنَّة من ينظر إِلَى وَجهه غدْوَة وَعَشِيَّة.
وَمنع من ذَلِك الْمُعْتَزلَة والخوارج وَبَعض المرجئة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِوُجُوه: الأول: قَوْله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار}(الْأَنْعَام: ١٠٣) . وَقَالُوا: يلْزم من نفي الْإِدْرَاك بالبصر نفي الرُّؤْيَة. الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {لن تراني}(الْأَعْرَاف: ١٤٣) . و: لن، للتأييد بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى:{قل لن تتبعونا}(الْفَتْح: ١٥) . وَإِذا ثَبت فِي حق مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عدم الرُّؤْيَة ثَبت فِي حق غَيره، الثَّالِث: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا}(الشورى: ٥١) . فالآية دلّت على أَن كل من يتَكَلَّم الله مَعَه فَإِنَّهُ لَا يرَاهُ، فَإِذا ثَبت عدم الرُّؤْيَة فِي وَقت الْكَلَام ثَبت فِي غير وَقت الْكَلَام ضَرُورَة، أَنه لَا قَائِل بِالْفَصْلِ. الرَّابِع: أَن الله تَعَالَى مَا ذكر فِي طلب الرُّؤْيَة فِي الْقُرْآن إلَاّ وَقد استعظمه وذم عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي آيَات: مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وَأَنْتُم تنْظرُون}(الْبَقَرَة: ٥٥) . الْخَامِس: لَو صحت رُؤْيَة الله تَعَالَى لرأيناه الْآن، والتالي بَاطِل، والمقدم مثله.