على مُتَعَدد. قَوْله:(ثمَّ أُوتِيَ أهل الْإِنْجِيل الْإِنْجِيل) الأول مجرور بِالْإِضَافَة، وَالثَّانِي مَنْصُوب على المفعولية. قَوْله:(فَقَالَ أهل الْكِتَابَيْنِ) أَي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. قَوْله: أَي رَبنَا) ، كلمة: أَي، من حُرُوف النداء، يَعْنِي: يَا رَبنَا، وَلَا تفَاوت فِي إِعْرَاب المنادى بَين حُرُوفه. قَوْله:(وَنحن كُنَّا أَكثر عملا) ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِنَّمَا قَالَت النَّصَارَى (: نَحن أَكثر عملا لأَنهم آمنُوا بمُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. قلت: النَّصَارَى لم يُؤمنُوا بمُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على ذَلِك جمَاعَة الإخباريين، وَأَيْضًا قَوْله: (وَنحن كُنَّا أَكثر عملا) حِكَايَة عَن قَول أهل الْكِتَابَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَول الْيَهُود ظَاهر، لِأَن الْوَقْت من الصُّبْح إِلَى الظّهْر أَكثر من وَقت الْعَصْر إِلَى الْمغرب، وَقَول النَّصَارَى لَا يَصح إلَاّ على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة، حَيْثُ يَقُولُونَ: الْعَصْر هُوَ مصير ظلّ الشَّيْء مثلَيْهِ، وَهَذَا من جملَة أدلتهم على مَذْهَبهم. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره هُوَ قَول أبي حنيفَة وَحده، وَغَيره من أَصْحَابه يَقُولُونَ مثله، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّمَا أسْند الأكثرية إِلَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَإِن كَانَ فِي إِحْدَاهمَا بطرِيق التغليب، وَيُقَال: لَا يلْزم من كَونهم أَكثر عملا أَكثر زَمَانا، لاحْتِمَال كَون الْعَمَل أَكثر فِي الزَّمَان الْأَقَل. قَوْله: هَل ظلمتكم؟) أَي: هَل نقصتكم؟ إِذْ الظُّلم قد يكون بِزِيَادَة الشَّيْء، وَقد يكون بنقصانه. وَفِي بعض النّسخ:(أظلمتكم؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام، وَهُوَ أَيْضا بِمَعْنى: هَل ظلمتكم؟ أَي: فِي الَّذِي شرطت لكم شَيْئا؟ .
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: تَفْضِيل هَذِه الْأمة وتوفر أجرهَا مَعَ قلَّة الْعَمَل، وَإِنَّمَا فضلت بِقُوَّة يقينها ومراعاة أصل دينهَا، فَإِن زلت فَأكْثر زللها فِي الْفُرُوع، بِخِلَاف من كَانَ قبلهم كَقَوْلِهِم:{اجْعَل لنا إلاها}(الْأَعْرَاف: ١٣٨) . وكامتناعهم من أَخذ الْكتاب حَتَّى نتق الْجَبَل فَوْقهم، و:{فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا}(الْمَائِدَة: ٥٤) .
وَفِيه: مَا استنبطه أَبُو زيد الدبوسي فِي (كتاب الْأَسْرَار) من أَن وَقت الْعَصْر إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ قَرِيبا من أول الْعَاشِرَة، فَيكون إِلَى الْمغرب ثَلَاث سَاعَات غير شَيْء يسير، وَتَكون النَّصَارَى أَيْضا عمِلُوا ثَلَاث سَاعَات وشيئا يَسِيرا، وَهَذَا من أول الزَّوَال إِلَى أول السَّاعَة الْعَاشِرَة، وَهُوَ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَاعْترض على هَذَا بِأَن النَّصَارَى لم تقله، وَإِنَّمَا قَالَه الْفَرِيقَانِ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى، ووقتهم أَكثر من وقتنا، فيستقيم قَوْلهم: أَكثر عملا؟ وَأجِيب: بِأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يتفقان على قَول وَاحِد، بل قَالَت النَّصَارَى: كُنَّا أَكثر عملا وَأَقل عَطاء، وَكَذَا الْيَهُود، بِاعْتِبَار كَثْرَة الْعَمَل وَطوله، وَنقل بَعضهم كَلَام أبي زيد هَكَذَا، ثمَّ قَالَ: تمسك بِهِ بعض الْحَنَفِيَّة كَأبي زيد إِلَى أَن وَقت الْعَصْر من مصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ ظلّ كل شَيْء مثله لَكَانَ مُسَاوِيا لوقت الظّهْر، وَقد قَالُوا: كُنَّا أَكثر عملا، فَدلَّ على أَنه دون وَقت الظّهْر. ثمَّ قَالَ: وَأجِيب بِمَنْع الْمُسَاوَاة، وَذَلِكَ مَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم بِهَذَا الْفَنّ، وَهُوَ أَن الْمدَّة بَين الظّهْر وَالْعصر أطول من الْمدَّة الَّتِي بَين الْعَصْر وَالْمغْرب. انْتهى. قلت: لَا يخفى على كل أحد أَن وَقت الْعَصْر، لَو كَانَ بمصير ظلّ كل شَيْء مثله، يكون وَقت الظّهْر الَّذِي يَنْتَهِي إِلَى مصير ظلّ كل شَيْء مثله، مثل وَقت الْعَصْر الَّذِي نقُول: وقته بمصير ظلّ كل شَيْء مثله، وَمَعَ هَذَا أَبُو زيد مَا ادّعى الْمُسَاوَاة بالتحقيق، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وعَلى التَّنْزِيل لَا يلْزم من التَّمْثِيل والتشبيه التَّسْوِيَة من كل جِهَة. قلت: مَا ادّعى هُوَ التَّسْوِيَة من كل جِهَة حَتَّى يعْتَرض عَلَيْهِ.
وَفِيه: مَا استنبطه بَعضهم أَن مُدَّة الْمُسلمين من حِين ولد سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قيام السَّاعَة ألف سنة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جعل النَّهَار نِصْفَيْنِ الأول للْيَهُود، فَكَانَت مدتهم ألف سنة وسِتمِائَة سنة وَزِيَادَة فِي قَول ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ أَبُو صَالح عَنهُ، وَفِي قَول ابْن إِسْحَاق: ألف سنة وَتِسْعمِائَة سنة وتسع عشرَة سنة، وَلِلنَّصَارَى كَذَلِك، فَجَاءَت مُدَّة النَّصَارَى لَا يخْتَلف النَّاس أَنه كَانَ بَين عِيسَى وَنَبِينَا صلوَات الله على نَبينَا وَعَلِيهِ سِتّمائَة سنة، فَبَقيَ للْمُسلمين ألف سنة وَزِيَادَة، وَفِيه نظر، من حَيْثُ إِن الْخلاف فِي مُدَّة الفترة، فَذكر الْحَاكِم فِي (الإكليل) أَنَّهَا مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ سنة، وَذكر أَنَّهَا أَرْبَعمِائَة سنة، وَقيل: خَمْسمِائَة وَأَرْبَعُونَ سنة. وَعَن الضَّحَّاك أَرْبَعمِائَة وبضع وَثَلَاثُونَ سنة، وَقد ذكر السُّهيْلي عَن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي: أَن جعفرا حدث بِحَدِيث مَرْفُوع: (إِن أَحْسَنت أمتِي فبقاؤها يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة، وَذَلِكَ ألف سنة، وَإِن أساءت فَنصف يَوْم) . وَفِي حَدِيث زمل الْخُزَاعِيّ، قَالَ:(رَأَيْتُك يَا رَسُول الله على مِنْبَر لَهُ سبع دَرَجَات، وَإِلَى جَنْبك نَاقَة عجفاء كَأَنَّك تبعتها، ففسر لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاقة بِقِيَام السَّاعَة الَّتِي أنذر بهَا، ودرجات الْمِنْبَر عدَّة الدُّنْيَا: سَبْعَة آلَاف سنة، بعث فِي آخرهَا ألفا) قَالَ السُّهيْلي: والْحَدِيث، وَإِن كَانَ ضَعِيف الْإِسْنَاد، فقد رُوِيَ مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس من طرق صِحَاح، أَنه قَالَ: (الدُّنْيَا سَبْعَة