وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: من الإتباع، وَهُوَ رِوَايَة الإصيلي، و: الْمُؤَذّن، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: يتبع، و: فَاه، مَنْصُوب على أَنه مفعول. وَفِي رِوَايَة غَيره: يتتبع، بِفَتْح الْيَاء وبالتائين المثناتين من فَوق وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة، من: التتبع من بَاب: التفعل. وَقد تكلّف الْكرْمَانِي وَقَالَ: لفظ: الْمُؤَذّن، بِالنّصب مُوَافق لقَوْله: (فَجعلت أتتبع فَاه) . فَإِن قلت: مَا فَاعله؟ قلت: الشَّخْص. فَإِن قلت: فَمَا وَجه نصب فَاه؟ قلت: بدل عَن الْمُؤَذّن. انْتهى. قلت: الْمُوَافقَة الَّتِي ذكرهَا لَيست بلازمة، فَجعل غير اللَّازِم لَازِما تعسف. قَوْله: (هَهُنَا وَهَهُنَا) يَعْنِي يَمِينا وَشمَالًا، وهما ظرفا مَكَان. وَفِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أبي جُحَيْفَة: (فَجعلت أتتبع فَاه هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُول يَمِينا وَشمَالًا: حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح) . وَعند أبي دَاوُد: (فَلَمَّا بلغ: حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح، لوى عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا وَلم يستدر) . وَعند النَّسَائِيّ: (فَجعل يَقُول فِي أَذَانه هَكَذَا، ينحرف يَمِينا وَشمَالًا) . وَعند الطَّبَرَانِيّ: (فَجعل يَقُول بِرَأْسِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى فرغ من أَذَانه) . وَعند التِّرْمِذِيّ مصححا، من حَدِيث عبد الرَّزَّاق: حَدثنَا سُفْيَان عَن عون عَن أَبِيه. قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن ويدور ويتتبع فَاه يَمِينا وَشمَالًا، هَهُنَا وَهَهُنَا) . وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة فِي (صَحِيحه) : فَجعل يتبع بِفِيهِ يَمِينا وَشمَالًا) . وَفِي رِوَايَة وَكِيع عَن سُفْيَان عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن يتتبع بِفِيهِ) . وَوصف سُفْيَان يمِيل بِرَأْسِهِ يَمِينا وَشمَالًا، وَالْحَاصِل أَن بِلَالًا كَانَ يتتبع بِفِيهِ الناحيتين، وَكَانَ أَبُو جُحَيْفَة ينظر إِلَيْهِ، فَكل مِنْهُمَا متتبع بِاعْتِبَار. قَوْله: (وَهل يلْتَفت) أَي: هَل يلْتَفت الْمُؤَذّن فِي الْأَذَان؟ نعم يلْتَفت، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ الْمَذْكُورَة، وَرِوَايَة أبي دَاوُد أَيْضا تدل عَلَيْهِ، وَالْمرَاد من الِالْتِفَات أَن يلوي عُنُقه وَلَا يحول صَدره عَن الْقبْلَة، وَلَا يزِيل قَدَمَيْهِ عَن مكانهما، وَسَوَاء المنارة وَغَيرهَا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأحمد فِي رِوَايَة: وَقَالَ ابْن سِيرِين: يكره الِالْتِفَات، وَهُوَ قَول مَالك، إلَاّ أَن يُرِيد إسماع النَّاس. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) من الشَّافِعِيَّة: الِالْتِفَات فِي الحيعلتين سنة ليعم النَّاس بأسماعه، وَخص بذلك لِأَنَّهُ دُعَاء، وَفِي وَجه: يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا فيحيعل، ثمَّ يسْتَقْبل ثمَّ يلْتَفت فيحيعل، وَكَذَلِكَ الشمَال. قَالَ: ويلتفت فِي الْإِقَامَة أَيْضا على الْأَصَح، ثمَّ ذكر أَبُو دَاوُد فِي روايه، وَلم يستدر، وَتَمَامه: قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا قيس يَعْنِي ابْن الرّبيع وَحدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان جَمِيعًا عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه، قَالَ: (أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَهُوَ فِي قبَّة حَمْرَاء من أَدَم، فَخرج بِلَال فَأذن، فَكنت اتتبع فَمه هَهُنَا وَهَهُنَا، قَالَ: ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء برود يَمَانِية قطري) ، وَقَالَ مُوسَى: قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا خرج إِلَى الأبطح فَأذن، فَلَمَّا بلغ: حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح، لوى عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا وَلم يستدر، ثمَّ دخل فَأخْرج العنزة) . وسَاق حَدِيثه. وَأخرج التِّرْمِذِيّ مصححا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق: حَدثنَا سُفْيَان عَن عون عَن أَبِيه، قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن ويدور ويتتبع فَاه هَهُنَا وَهَهُنَا) . وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه، قَالَ: (أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأَبْطح وَهُوَ فِي قبَّة حَمْرَاء، فَخرج بِلَال فَأذن فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانه وَجعل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ) . وَاعْترض الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ: الاستدارة فِي الْأَذَان لَيست فِي الطّرق الصَّحِيحَة فِي حَدِيث أبي جُحَيْفَة، وَنحن نتوهم أَن سُفْيَان رَوَاهُ عَن الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن عون، وَالْحجاج غير مُحْتَج بِهِ، وَعبد الرَّزَّاق وهم فِي إدراجه ثمَّ أسْند عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن سُفْيَان بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ الإستدارة. وَقد روينَاهُ من حَدِيث قيس بن الرّبيع عَن عون، وَفِيه: (وَلم يستدر) ، وَقَالَ الشَّيْخ فِي الإِمَام: أما كَونه غير مخرج فِي الصَّحِيح فَلَيْسَ بِلَازِم، وَقد صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ من أَئِمَّة الشان. وَأما عبد الرَّزَّاق وهم فِيهِ فقد تَابعه مُؤَمل، كَمَا أخرجه أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) عَن مُؤَمل عَن سُفْيَان بِهِ نَحوه، وَتَابعه أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أخرجه أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) على كتاب البُخَارِيّ، وَقد جَاءَت الاستدارة من غير جِهَة الْحجَّاج، أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَن زِيَاد بن عبد الله عَن إِدْرِيس الْأَزْدِيّ عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه، قَالَ: (بَينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَضَرت الصَّلَاة، فَقَامَ بِلَال فَأذن وَجعل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَجعل يستدير يَمِينا وَشمَالًا) . وَفِي (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) من حَدِيث كَامِل بن أبي الْعَلَاء: عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: أَمر أَبُو مَحْذُورَة أَن يستدير فِي أَذَانه.
ويُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ أنَّهُ جَعَلَ إصْبَعَيْه فِي أُذُنَيْهِ
ذكر هَذَا التَّعْلِيق بِصِيغَة التمريض، وَقد ذكرناالآن عَن ابْن مَاجَه حَدِيثه، وَفِيه جعل يَعْنِي بِلَال إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute