ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فَضِيلَة الإِمَام الْعَادِل، وَقد روى مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عمر رَفعه: (إِن المقسطين عِنْد الله على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهليهم وَمَا ولوا) ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا أَخْفَر قوم الْعَهْد إلَاّ سلط الله عَلَيْهِم الْعَذَاب، وَمَا نقص قوم الميكال إلَاّ منعُوا الْقطر، وَلَا كثر الرب فِي قوم إلَاّ سلط الله عَلَيْهِم الوباء، وَمَا حكم قوم بِغَيْر حق إلَاّ سلط عَلَيْهِم إِمَام جَائِر) . فالإمام الْعَادِل يصلح الله بِهِ. وَفِيه: فَضِيلَة الشَّاب الَّذِي نَشأ فِي عبَادَة ربه، وَفِي الحَدِيث: (تعجب رَبك من شَاب لَيست لَهُ ضبوة) . وَفِيه: فضل من سلم من الذُّنُوب واشتغل بِطَاعَة ربه طول عمره، وَقد يحْتَج بِهِ من قَالَ: إِن الْملك أفضل من الْبشر لأَنهم: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} (الْأَنْبِيَاء: ٢٠) . وَقيل لِابْنِ عَبَّاس: رجل كثير الصَّلَاة كثير الْقيام يقارف بعض الْأَشْيَاء، وَرجل يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة ويصوم مَعَ السَّلامَة. قَالَ: لَا أعدل بالسلامة شَيْئا، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إلَاّ اللمم} (النَّجْم: ٣٢) . وَفِيه: فَضِيلَة من يلازم الْمَسْجِد للصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة، لِأَن الْمَسْجِد بَيت الله وَبَيت كل تَقِيّ، وحقيق على المزور إكرام الزائر، فَكيف بأكرام الكرماء؟ وَفِيه: فَضِيلَة التحاب فِي الله تَعَالَى، فَإِن الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله من الْإِيمَان، وَعند مَالك من الْفَرَائِض، وروى ابْن مَسْعُود والبراء بن عَازِب مَرْفُوعا: إِن ذَلِك من أوثق عرى الْإِيمَان، وروى ثَابت عَن أنس رَفعه: (مَا تحاب رجلَانِ فِي الله إلَاّ كَانَ أفضلهما أشدهما حبا لصَاحبه) ، وروى أَبُو رزين، قَالَ: (قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا رزين إِذا خلوت حرك لسَانك بِذكر الله، وَحب فِي الله وَأبْغض فِي الله، فَإِن الْمُسلم إِذا زار فِي الله شيعه سَبْعُونَ ألف ملك يَقُولُونَ: أللهم وَصله فِيك فَصله وَمن فضل المتحابين فِي الله أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا دَعَا لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب أَمن الْملك على دُعَائِهِ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا. وَفِيه: فَضِيلَة من يخَاف الله قَالَ الله تَعَالَى: {وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} (النازعات: ٤٠، ٤١) . وَقَالَ: {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} (الرَّحْمَن: ٤٦) . وروى أَبُو معمر عَن سَلمَة بن نبيط عَن عبيد بن أبي الْجَعْد عَن كَعْب الْأَحْبَار، قَالَ: إِن فِي الْجنَّة، لدارا، درة فَوق درة، ولؤلؤة فَوق لؤلؤة، فِيهَا سَبْعُونَ ألف قصر، فِي كل قصر سَبْعُونَ ألف دَار، فِي كل دَار سَبْعُونَ ألف بَيت، لَا ينزلها إلَاّ نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو مُحكم فِي نَفسه أَو إِمَام عَادل. قَالَ سَلمَة: فَسَأَلت عبيدا عَن: الْمُحكم فِي نَفسه: قَالَ: هُوَ الرجل يطْلب الْحَرَام من النِّسَاء أَو من المَال فيتعرض لَهُ، فَإِذا ظفر بِهِ تَركه مَخَافَة الله تَعَالَى، فَذَلِك الْمُحكم فِي نَفسه. وَفِيه: فَضِيلَة المخفي صدقته ومصداق هَذَا الحَدِيث فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خير لكم} (الْبَقَرَة: ٢٧١) . وَقَالَت الْعلمَاء: هَذَا فِي صَدَقَة التَّطَوُّع، فالسر فِيهَا أفضل لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْإِخْلَاص، وَأبْعد من الرِّيَاء. وَأما الوجبة فإعلانها أفضل ليقتدي بِهِ فِي ذَلِك. وَيظْهر دعائم الْإِسْلَام، وَهَكَذَا حكم الصَّوْم فإعلان فرائضها أفضل. وَاخْتلف فِي السّنَن: كالوتر وركعتي الْفجْر، هَل إعلانهما أفضل أم كتمانهما؟ حَكَاهُ ابْن التِّين، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَقد سمعنَا من بعض الْمَشَايِخ: إِن ذَلِك الْإخْفَاء أَن يتَصَدَّق على الضَّعِيف فِي صُورَة الْمُشْتَرى مِنْهُ، فيدفه لَهُ مثلا درهما فِي شَيْء يُسَاوِي نصف دِرْهَم، فالصورة مبايعة والحقيقة صَدَقَة، وَهُوَ اعْتِبَار حسن قيل: إِن أَرَادَ أَن المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث هَذِه الصُّورَة خَاصَّة، فَفِيهِ نظر. وَإِن أَرَادَ أَن هَذَا أَيْضا من صُورَة الصَّدَقَة المخفية فَمُسلم، وَفِي (مُسْند أَحْمد) رَحمَه الله، من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِإِسْنَاد حسن مَرْفُوعا: (إِن الْمَلَائِكَة قَالَت: يَا رب! هَل من خلقك شَيْء أَشد من الْجبَال؟ قَالَ: نعم، الْحَدِيد. قَالَت: فَهَل أَشد من الْحَدِيد؟ قَالَ: نعم، النَّار، قَالَت: فَهَل أَشد من النَّار؟ قَالَ: نعم، المَاء. قَالَت: فَهَل أَشد من المَاء؟ قَالَ: نعم، الرّيح. قَالَت: فَهَل أَشد من الرّيح؟ قَالَ: نعم، ابْن آدم، يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ فيخفيها عَن شِمَاله) . وَفِيه: فَضِيلَة ذكر الله فِي الخلوات مَعَ فيضان الدمع من عَيْنَيْهِ، وروى أَبُو هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (لَا يلج النَّار أحد بَكَى من خشيَة الله حَتَّى يعود اللَّبن فِي الضَّرع) . وروى أَبُو عمرَان: (عَن أبي الْخلد، قَالَ: قَرَأت فِي مَسْأَلَة دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ربه تَعَالَى: إلهي مَا جَزَاء من بَكَى من خشيتك حَتَّى تسيل دُمُوعه على وَجهه؟ قَالَ: أسلم وَجهه من لفح النَّار) . وروى الْحَاكِم من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: (من ذكر الله فَفَاضَتْ عَيناهُ من خشيَة الله حَتَّى يُصِيب الأَرْض من دُمُوعه لم يعذب يَوْم الْقِيَامَة) .
٦٦١ - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أنَسٌ هِلِ اتَّخَذَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خاتَما فَقَالَ نَعَمْ أخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ العِشَاءِ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute