بِإِثْبَات الْوَاو، وَكَذَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس إلاّ فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ فِي بَاب إِيجَاب التَّكْبِير، والكشميهني بِحَذْف الْوَاو، وَمِنْهُم من رجح إِثْبَات الْوَاو لِأَن فِيهَا معنى زَائِدا لكَونهَا عاطفة على مَحْذُوف تَقْدِيره: يَا رَبنَا استجب، أَو: يَا رَبنَا أطعناك وَلَك الْحَمد، فيشتمل على الدُّعَاء وَالثنَاء مَعًا. وَمِنْهُم من رجح حذفهَا لِأَن الأَصْل عدم التَّقْدِير فَتَصِير عاطفة على كَلَام غير تَامّ. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: وَالْأول أوجه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: ثبتَتْ الراوية بِإِثْبَات الْوَاو وحذفها، والوجهان جائزان بِغَيْر تَرْجِيح. قَوْله: (وَإِذا صلى جَالِسا) أَي: حَال كَونه جَالِسا. قَوْله: (فصلوا جُلُوسًا) أَي: جالسين، وَهُوَ أَيْضا حَال. قَوْله: (أَجْمَعُونَ) ، تَأْكِيد للضمير الَّذِي فِي: صلوا، كَذَا وَقع بِالْوَاو فِي جَمِيع الطّرق فِي (الصَّحِيحَيْنِ) إلاّ أَن الروَاة اخْتلفُوا فِي رِوَايَة همام عَن أبي هُرَيْرَة فَقَالَ بَعضهم: أَجْمَعِينَ، بِالْيَاءِ فوجهه أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال، أَي: جُلُوسًا مُجْتَمعين، أَو يكون تَأْكِيدًا لَهُ، وَقَالَ بَعضهم: يكون نصبا على التَّأْكِيد لضمير مُقَدّر مَنْصُوب، كَأَنَّهُ قَالَ: أعنيكم أَجْمَعِينَ. قلت: هَذَا تعسف جدا، لَيْسَ فِي الْكَلَام مَا يصحح هَذَا التَّقْدِير.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ جَوَاز صَلَاة القائمين وَرَاء الْجَالِس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب. الثَّانِي: فِيهِ وجوب مُتَابعَة الْمَأْمُوم الإِمَام حَتَّى فِي الصِّحَّة وَالْفساد، وَقَالَ الشَّافِعِي: يتبع فِي الْمُوَافقَة لَا فِي الصِّحَّة وَالْفساد، وَقَالَ النَّوَوِيّ: مُتَابعَة الإِمَام وَاجِبَة فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة بِخِلَاف النِّيَّة؛ وَقَالَ بَعضهم: يُمكن أَن يسْتَدلّ من هَذَا الحَدِيث على عدم دُخُولهَا، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحصْر فِي الِاقْتِدَاء بِهِ فِي أَفعاله لَا فِي جَمِيع أَحْوَاله، كَمَا لَو كَانَ مُحدثا أَو حَامِل نَجَاسَة، فَإِن الصَّلَاة خَلفه تصح لمن لم يعلم حَاله على الصَّحِيح. قلت: لَا دلَالَة فِيهِ على الْحصْر، بل يدل الحَدِيث على وجوب الْمُتَابَعَة مُطلقًا، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: ثمَّ مَعَ وجود الْمُتَابَعَة لَيْسَ شَيْء مِنْهَا شرطا فِي صِحَة الْقدْوَة إلَاّ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَاخْتلف فِي السَّلَام، وَالْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة اشْتِرَاطه مَعَ الْإِحْرَام وَالْقِيَام من التَّشَهُّد الأول. انْتهى. (قُلْنَا) : تَكْفِي الْمُقَارنَة، لِأَن معنى الائتمام: الِامْتِثَال، وَمن فعل مثل مَا فعل إِمَامه صَار ممتثلاً. الثَّالِث: اسْتدلَّ أَبُو حنيفَة بقوله: (وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده، فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد) على أَن وَظِيفَة الإِمَام: التسميع ووظيفة الْمَأْمُوم: التَّحْمِيد، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم، وَالْقِسْمَة تنَافِي الشّركَة، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة يَأْتِي الإِمَام بهما، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم وَأما الْمُؤْتَم فَلَا يَقُول إلاّ: رَبنَا وَلَك الْحَمد، لَيْسَ إلاّ عندنَا، وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: يجمع بَينهمَا.
٦٨٩ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَن انس ابْن مَالك أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركِبَ فَرَسا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ فإذَا صَلى قائِما فَصَلُّوا قِيَاما فإذَا رَكَعَ فارْكَعْوا وإذَا رَفَعَ فارْفَعُوا وإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فقُولُوا رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ وإذَا صَلَّى قائِما فَصَلُّوا قِياما وإذَا صَلى جالِسا فَصَلُّوا جُلُوسا أجْمَعُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث الَّذِي قبله، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَهُوَ أَنه مثل الحَدِيث الأول غير أَن ذَاك عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَهَذَا عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، وَاعْتبر الِاخْتِلَاف فِي الْمَتْن من حَيْثُ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان. قَوْله: (عَن أنس) ، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي أنس قَوْله: (فصلى صَلَاة من الصَّلَوَات) ، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ: (فَحَضَرت الصَّلَاة) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة حميد عَن أنس عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اللَّام للْعهد ظَاهرا، وَالْمرَاد الْفَرْض لِأَن الْمَعْهُود من عَادَتهم اجْتِمَاعهم للْفَرض بِخِلَاف النَّافِلَة، وَحكى عِيَاض عَن ابْن الْقَاسِم: أَن هَذِه الصَّلَاة كَانَت نفلا. وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب: بِأَن فِي رِوَايَة جَابر عِنْد ابْن خُزَيْمَة وَأبي دَاوُد الْجَزْم بِأَنَّهَا فرض، لكني لم أَقف على تَعْيِينهَا إلاّ فِي حَدِيث أنس: (فصلى بِنَا يَوْمئِذٍ) ، وَالظَّاهِر أَنَّهَا الظّهْر أَو الْعَصْر انْتهى. قلت: لَا ظَاهر هُنَا يدل على مَا دَعَاهُ وَلما لَا يجوز أَن تكون الَّتِي صلى بهم يَوْمئِذٍ نفلا. قَوْله: (فجحش) ، بجيم مَضْمُومَة ثمَّ حاء مُهْملَة مَكْسُورَة أَي: خدش،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute