مِنْهُ، وأفعال الصَّلَاة، ثمَّ تَأتي قومه فَيصَلي بهم صَلَاة الْفَرْض. فَإِن قلت: يستبعد من معَاذ أَن يتْرك فَضِيلَة الْفَرْض خلف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيَأْتِي بِهِ مَعَ قومه، وَكَيف يظنّ بمعاذ بعد سَمَاعه قَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إلاّ الْمَكْتُوبَة) . وَلَعَلَّ صَلَاة وَاحِدَة مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خير لَهُ من كل صَلَاة صلاهَا فِي عمره، وَلَا سِيمَا فِي مَسْجده الَّتِي هِيَ خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ قلت: أَلَيْسَ تفوت الْفَضِيلَة مَعَه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سَائِر أَئِمَّة مَسَاجِد الْمَدِينَة، وفضيلة النَّافِلَة خَلفه من أَدَاء الْفَرْض مَعَ قومه يقوم مقَام أَدَاء الْفَرِيضَة خَلفه، وامتثال أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي إِمَامَة قومه زِيَادَة طَاعَة. الثَّالِث: قَالَ الْمُهلب: يحْتَمل أَن يكون حَدِيث معَاذ كَانَ أول الْإِسْلَام وَقت عدم الْقُرَّاء، أَو وَقت لَا عوض للْقَوْم من معَاذ، فَكَانَت حَالَة ضَرُورَة فَلَا تجْعَل أصلا يُقَاس عَلَيْهِ. قلت: هَذَا كَانَ قبل أحد، فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر الِاحْتِمَال. الرَّابِع: أَنه يحْتَمل أَن يكون كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة النَّهَار، وَمَعَ قومه صَلَاة اللَّيْل، لأَنهم كَانُوا أهل خدمَة لَا يحْضرُون صَلَاة النَّهَار فِي مَنَازِلهمْ، فَأخْبر الرَّاوِي عَن حَال معَاذ فِي وَقْتَيْنِ لَا فِي وَقت وَاحِد. الْخَامِس: أَنه حَدِيث مَنْسُوخ على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (فصلى الْعشَاء) ، كَذَا فِي مُعظم الرِّوَايَات، وَوَقع فِي رِوَايَة لأبي عوَانَة والطَّحَاوِي من طَرِيق محَارب: (صلى بِأَصْحَابِهِ الْمغرب) وَكَذَا فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من رِوَايَة أبي الزبير. وَقَالَ بَعضهم: فَإِن حمل على تعدد الْقَضِيَّة أَو على أَن الْمغرب أُرِيد بِهِ الْعشَاء مجَازًا وإلاّ فَمَا فِي الصَّحِيح أصح؟ قلت: رجال الطَّحَاوِيّ فِي رِوَايَته رجال الصَّحِيح، فَمن أَيْن يَأْتِي الأصحية فِي رِوَايَة الْعشَاء؟ قَوْله: (فَقَرَأَ بالبقرة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن عُيَيْنَة: (فَقَرَأَ بِسُورَة الْبَقَرَة) . وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَقَالَ بَعضهم: فَالظَّاهِر أَن ذَلِك من تصرف الروَاة. قلت: لَيْسَ ذَلِك من تصرف الروَاة، بل من تعدد الْقَضِيَّة.
قَوْله: (فَانْصَرف الرجل) ، إماأن يُرَاد بِهِ الْجِنْس، والمعرف تَعْرِيف الْجِنْس كالنكرة فِي مؤداه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: رجل أَو يُرَاد الْمَعْهُود من رجل معِين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (فَقَامَ رجل وَانْصَرف) ، وَفِي رِوَايَة سليم بن حبَان: (فتحول رجل فصلى صَلَاة خَفِيفَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن عُيَيْنَة: (فانحرف رجل فَسلم ثمَّ صلى وَحده) ، قَالَ بَعضهم: هُوَ ظَاهر فِي أَنه قطع الصَّلَاة. وَنقل عَن النَّوَوِيّ أَنه قَالَ: قَوْله: (فَسلم) ، دَلِيل على أَنه قطع الصَّلَاة من أَصْلهَا ثمَّ استأنفها، فَيدل على جَوَاز قطع الصَّلَاة وإبطالها لعذر، قلت: ذكر الْبَيْهَقِيّ أَن مُحَمَّد بن عباد شيخ مُسلم تفرد بِهِ بقوله: (ثمَّ سلم) وَأَن الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة وَمن أَصْحَاب شَيْخه عَمْرو بن دِينَار وَأَصْحَاب جَابر لم يذكرُوا السَّلَام، وَكَأَنَّهُ فهم أَن هَذِه اللَّفْظَة تدل على أَن الرجل قطع الصَّلَاة لِأَن السَّلَام يتَحَلَّل بِهِ من الصَّلَاة، وَسَائِر الرِّوَايَات تدل على أَنه قطع الصَّلَاة فَقَط وَلم يخرج من الصَّلَاة، بل اسْتمرّ فِيهَا مُنْفَردا. وَقَالَ بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على صِحَة اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل، وَذَلِكَ لِأَن ابْن جريج روى عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر فِي حَدِيث الْبَاب: (هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم فَرِيضَة) . قلت: هَذِه زِيَادَة، وَقد تكلمُوا فِيهَا، فَزعم أَبُو البركات ابْن تَيْمِية: أَن الإِمَام أَحْمد ضعف هَذِه الزِّيَادَة، وَقَالَ: أخْشَى أَن لَا تكون مَحْفُوظَة، لِأَن ابْن عُيَيْنَة يزِيد فِيهَا كلَاما لَا يَقُوله أحد، وَقَالَ ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) : وروى الحَدِيث مَنْصُور بن زَاذَان وَشعْبَة فَلم يَقُولَا مَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذِه الزِّيَادَة لَا تصح، وَلَو صحت لكَانَتْ ظنا من جَابر، وبنحوه ذكره ابْن الْعَرَبِيّ فِي (الْعَارِضَة) . وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة روى عَن عَمْرو حَدِيث جَابر أتم من سِيَاق ابْن جريج، وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة. وَقَالَ بَعضهم: وتعليل الطَّحَاوِيّ بِهَذَا لَيْسَ بقادح فِي صِحَّته، لِأَن ابْن جريج أسن وَأجل من ابْن عُيَيْنَة وأقدم أخذا عَن عَمْرو بن دِينَار مِنْهُ، وَلَو لم يكن كَذَلِك فَهِيَ زِيَادَة ثِقَة حَافظ لَيست مُنَافِيَة لرِوَايَة من هُوَ أحفظ مِنْهُ قلت: هَذِه مُكَابَرَة لتمشية كَلَامه فِي حق الطَّحَاوِيّ، فَهَل ذكر هَذَا عِنْد قَول أَحْمد، وَهُوَ أجل من ابْن جريج وَابْن عُيَيْنَة: هَذِه الزياة ضَعِيفَة، أَو عِنْد كَلَام ابْن الْجَوْزِيّ: إِن هَذِه الزِّيَادَة لَا تصح، أَو عِنْد كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ على مَا ذكرنَا؟ وَهَذَا الرَّافِعِيّ الَّذِي هُوَ من أكَابِر أئمتهم، وَمِمَّنْ يعْتَمد عَلَيْهِم وَيُؤْخَذ عَلَيْهِم، قَالَ فِي شرح هَذَا الحَدِيث: هَذَا غير مَحْمُول على مَا قَالُوا، لِأَن الْفَرْض لَا يقطع بعد الشُّرُوع فِيهِ، وَكَون ابْن جريج أسن من ابْن عُيَيْنَة وأقدم أخذا عَن عَمْرو بن دِينَار مِنْهُ بعد التَّسْلِيم لَا يسْتَلْزم نفي مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ، وَقد قَالَ الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الزِّيَادَة مدرجة، ورده بَعضهم بِأَن الأَصْل عدم الإدراج حَتَّى يثبت التَّفْصِيل، فمهما كَانَ مضموما إِلَى الحَدِيث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute