فَهُوَ مِنْهُ قلت: لَا دَلِيل على كَونهَا مدرجة لجَوَاز أَن تكون من ابْن جريج، وَجَوَاز أَن تكون من عَمْرو بن دِينَار، وَيجوز أَن تكون من قَول جَابر، فَمن أَي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَانَ هَذَا القَوْل؟ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل على حَقِيقَة مَا كَانَ يفعل معَاذ، وَلَو ثَبت أَنه عَن معَاذ لم يكن فِيهِ دَلِيل أَنه كَانَ بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَوله: فمهما كَانَ مضموما إِلَى الحَدِيث فَهُوَ مِنْهُ، غير صَحِيح، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن لَا يُوجد مدرج أصلا، وَسَنذكر مزِيد الْكَلَام فِيهِ فِي ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قلت: هَل علم اسْم هَذَا الرجل؟ قلت: هُنَا لم يسم، وَلَكِن روى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) وَالْبَزَّار من طَرِيقه: عَن طَالب بن حبيب عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر عَن أَبِيه قَالَ: (مر حزم بن أبي كَعْب بمعاذ بن جبل وَهُوَ يُصَلِّي بقَوْمه صَلَاة الْعَتَمَة، فَافْتتحَ بِسُورَة طَوِيلَة وَمَعَ حزم نَاضِح لَهُ) الحَدِيث. قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم أحدا سَمَّاهُ عَن جَابر إلاّ ابْن جَابر. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) : حزم ابْن أبي كَعْب، قيل: هُوَ الَّذِي طول عَلَيْهِ معَاذ فِي الْعشَاء ففارقه مِنْهَا، وروى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) : حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا طَالب بن حبيب، قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن جَابر يحدث عَن حزم بن أبي كَعْب أَنه أَتَى معَاذًا وَهُوَ يُصَلِّي بِقوم صَلَاة الْمغرب، فِي هَذَا الْخَبَر قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا معَاذ لَا تكن فتانا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِير والضعيف وَذُو الْحَاجة وَالْمُسَافر) .
قَوْله: فِي هَذَا الْخَبَر، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ عَمْرو عَن جَابر:(كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ يرجع فيؤمنا) الحَدِيث. وَقيل: اسْم الرجل حرَام، روى أَحْمد فِي (مُسْنده) بِإِسْنَاد صَحِيح: عَن أنس قَالَ: (كَانَ معَاذ يؤم قومه فَدخل حرَام وَهُوَ يُرِيد أَن يسْقِي نخله) الحَدِيث، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: حرَام ضد الْحَلَال ابْن ملْحَان، بِكَسْر الْمِيم: خَال أنس بن مَالك. وَقَالَ بَعضهم: وَظن بَعضهم أَنه حرَام ابْن ملْحَان، خَال أنس بن مَالك، لَكِن لم أره مَنْسُوبا فِي الرِّوَايَة، وَيحْتَمل أَن يكون مُصحفا من حزم. قلت: عدم رُؤْيَته مَنْسُوبا فِي الرِّوَايَة لَا يدل على أَنه مصحف من حزم. وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : وَهُوَ فِي (مُسْند أَحْمد) : بِسَنَد صَحِيح: عَن أنس (كَانَ معَاذ يؤم قومه، فَدخل حرَام يَعْنِي: ابْن ملْحَان وَهُوَ يُرِيد أَن يسْقِي نخله، فَلَمَّا رأى معَاذًا طول، تحول وَلحق بنخله يسْقِيه) . وَقيل: إسمه سليم، رجل من بني سَلمَة، وروى أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) من حَدِيث معَاذ بن رِفَاعَة: عَن سليم رجل من بني سَلمَة أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن معَاذًا) الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ مُسْتَوفى عَن قريب.
قَوْله:(فَكَانَ معَاذ ينَال مِنْهُ) أَي: من الرجل الْمَذْكُور، وَمعنى: ينَال مِنْهُ أَي: يُصِيب مِنْهُ، أَي: يعِيبهُ ويتعرض بِهِ بالإيذاء. وَقَوله:(كَانَ) ، فعل مَاض، ومعاذ بِالرَّفْع اسْمه. وَقَوله:(ينَال مِنْهُ) جملَة فِي مَحل النصب على أَنه خبر: لَكَانَ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:(يتَنَاوَل مِنْهُ) من بَاب التفاعل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(فَكَأَن معَاذًا) بِالْهَمْزَةِ وَالنُّون الْمُشَدّدَة. وَقَوله:(معَاذًا) بِالنّصب اسْم: كَأَن، وَقد فسر ذَلِك فِي رِوَايَة سليم بن حبَان. وَلَفظه:(فَبلغ ذَلِك معَاذًا فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي الزبير وَابْن عُيَيْنَة:(فَقَالُوا لَهُ: أنافقت يَا فلَان؟ قَالَ: لَا وَالله، لَآتِيَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلأخبرنه) . فَكَأَن معَاذًا قَالَ ذَلِك فِي غيبَة الرجل، وبلّغه إِلَى الرجل أَصْحَابه. قَوْله:(فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فَبلغ ذَلِك الْأَمر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد بَين ابْن عُيَيْنَة ومحارب بن دثار فِي روايتهما أَنه الَّذِي جَاءَ فاشتكى من معَاذ، وَفِي رِوَايَة للنسائي:(فَقَالَ معَاذ: لَئِن أَصبَحت لأذكرنّ ذَلِك للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ، فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا حملك على الَّذِي صنعت؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عملت على نَاضِح لي بِالنَّهَارِ، فَجئْت وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة فَدخلت الْمَسْجِد، فَدخلت مَعَه فِي الصَّلَاة فَقَرَأَ بِسُورَة كَذَا وَكَذَا، فَانْصَرَفت فَصليت فِي نَاحيَة الْمَسْجِد. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفتانا يَا معَاذ؟ أَفتانا يَا معَاذ؟ قَوْله: (فتان فتان فتان ثَلَاث مرار) ، ويروى:(ثَلَاث مَرَّات و: فتان، مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: أَنْت فتان، والتكرار للتَّأْكِيد، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: (أفتان أَنْت) ؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار، وَمَعْنَاهُ: أَنْت منفر، لِأَن التَّطْوِيل سَبَب لخروجهم من الصَّلَاة، وللتكره للصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يُرِيد بقوله: (فتان) أَي: معذب، لِأَنَّهُ عذبهم بالتطويل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات}(البروج: ١٠) . عذبوهم. قَوْله:((أَو قَالَ: فاتنا فاتنا فاتنا؟) هَذَا شكّ من الرَّاوِي، ونصبه على أَنه خبر: يكون، مُقَدرا أَي: يكون فاتنا. وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: أَتُرِيدُ أَن تكون فاتنا؟ وَفِي رِوَايَة أَحْمد فِي حَدِيث معَاذ بن رِفَاعَة الْمُتَقَدّم ذكره:(يَا معَاذ لَا تكن فاتنا) . وَزَاد فِي حَدِيث أنس:(لَا تطول بهم) . قَوْله:(من أَوسط الْمفصل) أَوسط الْمفصل من: كورت إِلَى الضُّحَى، وطوال الْمفصل من سُورَة: الحجرات إِلَى: وَالسَّمَاء ذَات البروج، وقصار الْمفصل من: