وَأما حَدِيث جُبَير بن مطعم فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد عَن ابْن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة، قَالَ عمر: وَلَا أَدْرِي أَي صَلَاة هِيَ، قَالَ: الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله حمدا كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا ثَلَاثًا، أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من نفخه ونفثه وهمزه) .
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: عَن عبد الله بن عمر، قَالَ:(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا. وَمَا أَنا من الْمُشْركين، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين) . وَقد ذكرنَا عَن مُسلم أَنه أخرج عَن عَليّ:(وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره.
قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن أنس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حميد عَن أنس، قَالَ:(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بإبهاميه أُذُنَيْهِ ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) . ثمَّ قَالَ: وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات. وَعَن الحكم بن عُمَيْر الثمالِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ، قَالَ:(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا: إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فارفعوا أَيْدِيكُم وَلَا تخَالف آذانكم. ثمَّ قُولُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، وَإِن لم تَزِيدُوا على التَّكْبِير أجزاكم) وَعَن وَاثِلَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ يَقُول إِذا افْتتح الصَّلَاة: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. .) إِلَى آخِره. وَعَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب: كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا كبر للصَّلَاة قَالَ:(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. .) إِلَى آخِره، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب. وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي الاستفتاح بِحَدِيث عَليّ من عِنْد مُسلم، وَقد مضى عَن قريب. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ ذَلِك فِي أول الْأَمر أَو النَّافِلَة. قلت: كَانَ فِي النَّافِلَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن مسلمة:(أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا قَالَ: وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره. وَلَكِن فِي (صَحِيح ابْن حبَان) : كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة. .) قَالَه، وَقَالَ ابْن قدامَة: الْعَمَل بِهِ مَتْرُوك، فَإنَّا لَا نعلم أحدا استفتح بِالْحَدِيثِ كُله، وَإِنَّمَا يستفتحون بأوله. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (شرح الْمسند) : الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) أَنه يَأْتِي بِهَذِهِ الْأَذْكَار جَمِيعًا من أَولهَا إِلَى آخرهَا فِي الْفَرِيضَة والنافلة، وَأما الْمُزنِيّ فروى عَنهُ أَنه يَقُول: وجهت وَجْهي ... إِلَى قَوْله: من الْمُسلمين. قَالَ أَبُو يُوسُف: يجمع بَين قَول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَين قَول: وجهت وَجْهي، وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَأبي حَامِد الشافعيين. وَفِي (الْمُحِيط) : يسْتَحبّ قَول: وجهت وَجْهي قبل التَّكْبِير، وَقيل: لَا يسْتَحبّ لتطويل الْقيام مُسْتَقْبل الْقبْلَة من غير صَلَاة. وَقَالَ ابْن بطال: إِن الشَّافِعِي قَالَ: أحب للْإِمَام إِن يكون لَهُ سكتة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة ليقْرَأ الْمَأْمُوم فِيهَا، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يرد الْعلَّة الَّتِي علل بهَا الشَّافِعِي هَذِه السكتة، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة سَأَلَ الشَّارِع عَنْهَا، فَقَالَ: أَقُول: اللَّهُمَّ باعد ... إِلَى آخِره، وَلَو كَانَ ليقْرَأ من وَرَاء الإِمَام فِيهَا لذكر ذَلِك، فَبين أَن السكتة لغير مَا قَالَه الشَّافِعِي. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا الَّذِي قَالَه عَن الشَّافِعِي غلط من أَصله، فَإِن الَّذِي استحبه الشَّافِعِي السكتة فِيهَا لأجل قِرَاءَة الْمَأْمُوم الْفَاتِحَة إِنَّمَا هِيَ السكتة الثَّالِثَة بعد قَوْله: آمين، ورده ابْن الْمُنِير أَيْضا بِأَنَّهُ: لَا يلْزم من كَونه أخبرهُ بِصفة مَا يَقُول أَن لَا يكون سَبَب السُّكُوت مَا ذكر، وَقيل: هَذَا النَّقْل من أَصله غير مَعْرُوف عَن الشَّافِعِي وَلَا عَن أَصْحَابه، إلاّ أَن الْغَزالِيّ قَالَ فِي (الْإِحْيَاء) : إِن الْمَأْمُوم يقْرَأ الْفَاتِحَة إِذا اشْتغل الإِمَام بِدُعَاء الِافْتِتَاح، وخولف فِي ذَلِك، بل أطلق الْمُتَوَلِي وَغَيره تَقْدِيم الْمَأْمُوم قِرَاءَة الْفَاتِحَة على الإِمَام. وَفِي وَجه إِن فرغها قبله بطلت صلَاته، وَالْمَعْرُوف أَن الْمَأْمُوم يقْرؤهَا إِذا سكت الإِمَام بَين الْفَاتِحَة وَالسورَة، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاض وَغَيره عَن الشَّافِعِي.