للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: (امْرَأَة) ، وَبَين قَوْله: (تخدشها) أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: حسبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ، هَكَذَا. فسره الْكرْمَانِي. وَقَالَ غَيره: قَائِل ذَلِك هُوَ نَافِع بن عمر رَاوِي الحَدِيث، وَالضَّمِير فِي: أَنه، لِابْنِ أبي مليكَة، وَذكر أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ بَينه كَذَا. (قَوْله: (تخدشها) من الخدش، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: وَهُوَ خدش الْجلد وقشره بِعُود أَو نَحوه، وَهُوَ من بَاب: ضرب يضْرب. قَوْله: (هرة) بِالرَّفْع فَاعل لقَوْله: (تخدشها) . قَوْله: (لَا أطعمتها) أَي: لَا أطعمت المرأةُ الْهِرَّة، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (لَا هِيَ أطعمتها) ، بالضمير الرَّاجِع إِلَى الْمَرْأَة. قَوْله: (تَأْكُل) ، من الْأَحْوَال المنتظرة. قَوْله: (قَالَ نَافِع) وَهُوَ: ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث. قَوْله: (حسبت أَنه قَالَ) فَاعل: حسبت، هُوَ نَافِع، وَالضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى ابْن أبي مليكَة. قَوْله: (من خشيش الأَرْض أَو خشَاش الأَرْض) كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، و: الخشيش، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ حشرات الأَرْض وهوامها، والخشاش، بِكَسْر الْخَاء: هُوَ الحشرات أَيْضا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: تَأْكُل من خشَاش الأَرْض. وَفِي رِوَايَة: من خشيشها، وَهِي بِمَعْنَاهُ. ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ: يَابِس النَّبَات، وَهُوَ وهم. وَقيل: إِنَّمَا هُوَ خشيش، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة تَصْغِير: خشَاش، على الْحَذف أَو: خشيش، بِغَيْر حذف. وَقَالَ الْخطابِيّ لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ الخشاش مَفْتُوحَة الْحَاء وَهُوَ: حشرات الأَرْض.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه الأول: أَن صَلَاة الْكُسُوف أجمع الْعلمَاء على أَنَّهَا سنة وَلَيْسَت بواجبة وَهُوَ الْأَصَح، وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: إِنَّهَا وَاجِبَة لِلْأَمْرِ بهَا، وَنَصّ فِي الْأَسْرَار على وُجُوبهَا. قلت: الْأَمر فِيهَا هُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من هَذِه الأفزاع فافزعوا إِلَى الصَّلَاة) . وثبوتها بِالْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفا} (الْإِسْرَاء: ٥٩) ، والكسوف آيَة من آيَات الله تَعَالَى يخوف الله بِهِ عباده ليتركوا الْمعاصِي ويرجعوا إِلَى طَاعَة الله تَعَالَى الَّتِي فِيهَا فوزهم، وبالسنة وَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ، وبالإجماع: فَإِن الْأمة قد اجْتمعت عَلَيْهَا من غير إِنْكَار من أحد.

الْوَجْه الثَّانِي: أَن يُصَلِّي بهَا فِي الْمَسْجِد الْجَامِع: أَو فِي مصلى الْعِيد، قَالَه الطَّحَاوِيّ: وَقَالَت الشَّافِعِيَّة والحنابلة: السّنة فِي الْمَسْجِد لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا فِيهِ، وَلِأَن وَقت الْكُسُوف يضيق عَن الْخُرُوج إِلَى الْمصلى.

الْوَجْه الثَّالِث: فِي وَقت أَدَائِهَا فَأَما أَولهَا فوقت يجوز فِيهِ أَدَاء النَّافِلَة، وَفِيه خلاف يَأْتِي وَآخِرهَا، فَعَن مَالك: لَا يُصَلِّي بعد الزَّوَال، رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم. وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: يُصَلِّي وَإِن زَالَت الشَّمْس، وَعنهُ: لَا يُصَلِّي بعد الْعَصْر، وَمذهب أبي حنيفَة أَن طلعت مكسوفة لَا يُصَلِّي حَتَّى يدْخل وَقت الْجَوَاز، قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول خلافًا للشَّافِعِيّ. وَفِي (الْمُحِيط) : لَا يُصَلِّي فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، وَذكر ابْن عمر فِي الاستذكار، قَالَ اللَّيْث بن سعد: حججْت سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة، وعَلى الْمَوْسِم سُلَيْمَان بن هِشَام، وبمكة شرفها الله عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن شهَاب وَابْن أبي مليكَة وَعِكْرِمَة بن خَالِد وَعَمْرو بن شُعَيْب وَأَيوب بن مُوسَى، وكسفت الشَّمْس بعد الْعَصْر، فَقَامُوا قيَاما يدعونَ الله فِي الْمَسْجِد، فَقلت لأيوب: مَا لَهُم لَا يصلونَ؟ فَقَالَ: النَّهْي قد جَاءَ عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر فَلذَلِك لَا يصلونَ، إِنَّمَا يذكرُونَ حَتَّى تنجلي الشَّمْس، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن بن أبي الْحسن وَابْن علية وَالثَّوْري، وَقَالَ إِسْحَاق: يصلونَ بعد الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس، وَبعد صَلَاة الصُّبْح، وَلَا يصلونَ فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، فَلَو كسفت عِنْد الْغُرُوب لم يصل إِجْمَاعًا، وَقَالَ ابْن قدامَة: إِذا كَانَ الْكُسُوف فِي غير وَقت صَلَاة جعل بمَكَان الصَّلَاة شرعا هَذَا ظَاهر الْمَذْهَب، لِأَن النَّافِلَة لَا تفعل أَوْقَات النَّهْي، سَوَاء كَانَ لَهَا سَبَب أَو لم يكن، رُوِيَ ذَلِك عَن الْحسن وَأبي بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن حزم وَأبي حنيفَة وَمَالك وَأبي ثَوْر، وَنَصّ عَلَيْهِ أَحْمد، روى قَتَادَة قَالَ: انكسفت الشَّمْس وَنحن بِمَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، بعد الْعَصْر فَقَامُوا قيَاما يدعونَ، فَسَأَلت عَطاء عَن ذَلِك، فَقَالَ: هَكَذَا يصنعون. وروى إِسْمَاعِيل بن سعد عَن أَحْمد: أَنهم يصلونها فِي أَوْقَات النَّهْي، قَالَ أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز: وبالأول أَقُول، وَهَذَا أظهر الْقَوْلَيْنِ.

الْوَجْه الرَّابِع: فِي صفتهَا، وَهِي كَهَيئَةِ النَّافِلَة عندنَا بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة مثل صَلَاة الْفجْر وَالْجُمُعَة فِي كل رَكْعَة رُكُوع وَاحِد، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى، وَهُوَ مَذْهَب عبد الله بن الزبير، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن ابْن عمر وَأبي بكرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَعبد الله بن عَمْرو، وَقبيصَة الْهِلَالِي والنعمان بن بشير وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأبي ثَوْر وعلماء الْحجاز: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ، فِي كل رَكْعَة

<<  <  ج: ص:  >  >>