مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بالتكلف من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على الْعِيد، وَالْمرَاد مِنْهُ: صَلَاة الْعِيد، وَأَشَارَ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يدل على التَّرْجَمَة؟ قلت: كَأَنَّهُ جعل أَمر النِّسَاء بِالصَّدَقَةِ من تَتِمَّة الْخطْبَة، وَتَبعهُ بَعضهم على هَذَا. قلت: الَّذِي ذكرته من الْوَجْه فِي الدّلَالَة على التَّرْجَمَة قد استبعدته، وذكرته بالتعسف، فَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي أبعد من ذَلِك.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي الْوَلِيد فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الزَّكَاة أَيْضا عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي اللبَاس عَن مُحَمَّد بن عرْعرة وحجاج بن منهال فرقهما. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن بنْدَار وَأبي بكر بن نَافِع كِلَاهُمَا عَن غنْدر، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله بن سعيد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (تلقي الْمَرْأَة) فَائِدَة التّكْرَار فِيهِ أَنه ذكر الْإِلْقَاء أَولا مُجملا ثمَّ ذكره مفصلا، وَهَذَا أوقع فِي الْقُلُوب، لِأَنَّهُ يكون علمين: علم إجمالي وَعلم تفصيلي، والعلمان خير من علم وَاحِد. قَوْله: (خرصها) الْخرص، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا: القرط بِحَبَّة وَاحِدَة، وَقيل: هِيَ الْحلقَة من الذَّهَب أَو الْفضة، وَالْجمع: خرصة، والخرصة لُغَة فِيهَا وَفِي (الصِّحَاح) : الْخرص بِالضَّمِّ وبالكسر وَالْجمع: خرصان. قَوْله: (وسخابها) ، بِكَسْر السِّين وبالخاء الْمُعْجَمَة الْخَفِيفَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهُوَ قلادة تتَّخذ من طيب وَغَيره لَيْسَ فِيهَا جَوْهَر، وَرُبمَا عمل من خَرَزَات أَو نوى الزَّيْتُون، وَالْجمع: سخب، مثل كتاب وَكتب. وَقَالَ ابْن سَيّده: هِيَ قلادة تتَّخذ من قرنفل وسك ومحلب. وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: وَيكون من الطّيب والجوهر والخرز. وَقيل: هُوَ خيط فِيهِ خرز، وَسمي سخابا لصوت خرزه عِنْد الْحَرَكَة، مَأْخُوذ من السخب وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات، يُقَال: بالصَّاد وبالسين.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ، قَالَ ابْن بزيزة: انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ لَا أَكثر إلاّ مَا رُوِيَ عَن عَليّ فِي (الْجَامِع) : أَربع، فَإِن صليت فِي الْمصلى فَهِيَ رَكْعَتَانِ كَقَوْل الْجُمْهُور.
الثَّانِي: أَن الحَدِيث يدل على أَن لَا تنفل قبل صَلَاة الْعِيد وَلَا بعْدهَا، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَذهب أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري إِلَى أَنه يجوز التَّنَفُّل بعد صَلَاة الْعِيد، وَلَا يتَنَفَّل قبلهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَنَفَّل قبلهَا وَبعدهَا، وروى ابْن وهب وَأَشْهَب عَن مَالك: لَا يتَنَفَّل قبلهَا وَيُبَاح بعْدهَا. وَفِي (البدرية) : يجوز فِي بَيته. وَعَن ابْن حبيب: قَالَ قوم: هِيَ سبْحَة ذَلِك الْيَوْم يقْتَصر عَلَيْهَا إِلَى الزَّوَال، قَالَ: وَهُوَ أحب إِلَيّ. وَفِي (الذَّخِيرَة) : لَيْسَ قبل صَلَاة الْعِيد صَلَاة، كَذَا ذكره مُحَمَّد بن الْحسن فِي الأَصْل، وَإِن شَاءَ تطوع قبل الْفَرَاغ من الْخطْبَة، يَعْنِي: لَيْسَ قبلهَا صَلَاة مسنونة لَا إِنَّهَا تكره إلاّ أَن الْكَرْخِي نَص على الْكَرَاهَة قبل الْعِيد حَيْثُ قَالَ: يكره لمن حضر الْمصلى التَّنَفُّل قبل صَلَاة الْعِيد. وَفِي (شرح الْهِدَايَة) : كَانَ مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي يَقُول: لَا بَأْس بِصَلَاة الضُّحَى قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى، وَإِنَّمَا تكره فِي الْجَبانَة، وَعَامة الْمَشَايِخ على الْكَرَاهَة مُطلقًا. وَعَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَابْن أبي أوفى أَنهم كَانُوا لَا يرونها قبل وَلَا بعد، وَهُوَ قَول ابْن عمر ومسروق وَالشعْبِيّ وَالضَّحَّاك وَسَالم وقاسم وَالزهْرِيّ وَمعمر وَابْن جريج وَأحمد، وَقَالَ أنس وَالْحسن وَسَعِيد بن أبي الْحسن وَابْن زيد وَعُرْوَة وَالشَّافِعِيّ: يُصَلِّي قبلهَا وَبعدهَا، وَزَاد ابْن أبي شيبَة: أَبَا الشعْثَاء وَأَبا بردة الْأَسْلَمِيّ ومكحولاً وَالْأسود وَصَفوَان بن مُحرز ورجالاً من الصَّحَابَة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي غير (الْأُم) : وَقَالَ أَبُو مَسْعُود البدري: لَا يُصَلِّي قبلهَا وَيُصلي بعْدهَا، وَهُوَ قَول عَلْقَمَة وَالْأسود وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي ليلى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ، بعد أَن أخرج حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقد رأى طَائِفَة من أهل الْعلم الصَّلَاة بعد صَلَاة الْعِيد وَقبلهَا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم، وَالْقَوْل الأول أصح. وَلما روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا، قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عبد الله بن عمر وَأبي سعيد؟ قلت: قد أخرج ابْن مَاجَه حَدِيث عبد الله بن عمر وَمن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا) ، وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ ابْن مَاجَه. وَأما حَدِيث أبي سعيد فقد أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا، وَانْفَرَدَ بِهِ من حَدِيث عَطاء بن يسَار: (عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلِّي قبل الْعِيد شَيْئا، فَإِذا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute