(وَكَانَ النِّسَاء) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: (وَكن النِّسَاء) على لُغَة: أكلوني البراغيث، وَقد دلّت هَذِه الْآثَار الْمَذْكُورَة على اسْتِحْبَاب التَّكْبِير أَو وُجُوبه على الِاخْتِلَاف فِي أَيَّام التَّشْرِيق ولياليها عقيب الصَّلَاة.
وَفِيه اخْتِلَاف من وُجُوه:
الأول: إِن تَكْبِير التَّشْرِيق وَاجِب عِنْد أَصْحَابنَا، وَلَكِن عِنْد أبي حنيفَة عقيب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة على المقيمين فِي الْأَمْصَار فِي الْجَمَاعَة المستحبة، فَلَا يكبر عقيب الْوتر وَصَلَاة الْعِيد وَالسّنَن والنوافل، وَلَيْسَ على الْمُسَافِرين وَلَا على الْمُنْفَرد، وَهُوَ مَذْهَب ابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ، وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: على كل من صلى الْمَكْتُوبَة، سَوَاء كَانَ مُقيما أَو مُسَافِرًا أَو مُنْفَردا أَو بِجَمَاعَة. وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك، وَعند الشَّافِعِي: يكبر فِي النَّوَافِل والجنائز على الْأَصَح، وَلَيْسَ على جمَاعَة النِّسَاء إِذا لم يكن مَعَهُنَّ رجل، وَلَا على الْمُسَافِرين إِذا لم يكن مَعَهم مُقيم.
الثَّانِي: فِي وَقت التَّكْبِير فَعِنْدَ أَصْحَابنَا يبْدَأ بعد صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة وَيخْتم عقيب الْعَصْر يَوْم النَّحْر، عِنْد أبي حنيفَة، وَهُوَ قَول عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وعلقمة وَالْأسود وَالنَّخَعِيّ، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يخْتم عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الله بن عَبَّاس، وَبِه قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَبُو ثَوْر وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَفِي (التَّحْرِير) ذكر عُثْمَان مَعَهم، وَفِي (الْمُفِيد) : وَأَبا بكر، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَهَهُنَا تِسْعَة أَقْوَال وَقد ذكرنَا الْقَوْلَيْنِ. الثَّالِث: يخْتم بعد ظهر يَوْم النَّحْر، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود، فعلى هَذَا يكبر فِي سبع صلوَات، وعَلى قَوْله: الأول فِي ثَمَان صلوَات، وعَلى قَوْلهمَا: فِي ثَلَاث وَعشْرين صَلَاة. الرَّابِع: يكبر من ظهر يَوْم النَّحْر وَيخْتم فِي صبح آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور، وَيحيى الْأنْصَارِيّ. وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف. الْخَامِس: من ظهر عَرَفَة إِلَى عصر آخر أَيَّام التَّشْرِيق، حكى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير. السَّادِس: يبْدَأ من ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى ظهر يَوْم النَّفر الأول، وَهُوَ قَول بعض أهل الْعلم. السَّابِع: حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عُيَيْنَة، وَاسْتَحْسنهُ أَحْمد: إِن أهل منى يبدأون من ظهر يَوْم النَّحْر، وَأهل الْأَمْصَار من صبح يَوْم عَرَفَة، وَإِلَيْهِ مَال أَبُو ثَوْر. الثَّامِن: من ظهر عَرَفَة إِلَى ظهر يَوْم النَّحْر، حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر. التَّاسِع: من مغرب لَيْلَة النَّحْر عِنْد بَعضهم، قَالَه قاضيخان وَغَيره.
الثَّالِث: فِي صفة التَّكْبِير، وَهُوَ أَن يَقُول مرّة وَاحِدَة: الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه لَا الله وَالله كبر الله كبر وَللَّه الْحَمد. وَهُوَ قَول عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ النوري وَأحمد وإسخاق. وَفِيه أَقْوَال أخر: الأول: قَول الشَّافِعِي: إِنَّه يكبر ثَلَاثًا نسقا وَهُوَ قَول ابْن جُبَير. الثَّانِي: قَول مَالك، إِنَّه يقف على الثَّانِيَة ثمَّ يقطع فَيَقُول: الله كبر، لَا إِلَه إِلَّا الله، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَنهُ. الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس: الله كبر الله كبر الله أكبر وَأجل الله أكبر وَللَّه الْحَمد. الرَّابِع: الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عمر. الْخَامِس: عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إلاّ الله هُوَ الْحَيّ القيوم يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير. السَّادِس: عَن عبد الرَّحْمَن: الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إلاّ الله الله أكبر الْحَمد لله، ذكره فِي (الْمحلى) . السَّابِع: أَنه لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُؤَقّت، قَالَه الْحَاكِم وَحَمَّاد، وَقَول أَصْحَابنَا أولى لِأَن عَلَيْهِ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلم يثبت فِي شَيْء من ذَلِك حَدِيث وَأَصَح مَا ورد فِيهِ عَن الصَّحَابَة قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه: من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام منى، أخرجهُمَا ابْن الْمُنْذر وَغَيره.
٩٧٠ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ بنُ أنَسٍ قَالَ حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ الثَّقَفِي قالَ سألْتُ أنَسا وَنَحْنُ غادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ عنِ التَّلْبِيَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كانَ يُلَبِّي المُلَبِّي لَا يُنْكَره عَلَيْهِ ويُكَبِّرُ المُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ (الحَدِيث ٩٧٠ طرفه فِي: ١٦٥٩) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيكبر المكبر) .
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: أَبُو نعيم، الْفضل بن دُكَيْن تكَرر ذكره، وَمُحَمّد بن أبي بكر بن عَوْف بن رَبَاح الثَّقَفِيّ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف المفتوحتين.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن يحيى بن