عَبَّادَ بنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أباهُ عنْ عَمِّهِ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ إلَى المُصَلَّى فاسْتَسْقَى فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وقَلَبَ رِدَاءَهُ وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ..
هَذِه طَريقَة أُخْرَى فِي الحَدِيث الْمَذْكُور قبله أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر الَّذِي يُقَال لَهُ: ابْن الْمَدِينِيّ: عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عباد بن تَمِيم، إِلَى آخِره. قَوْله:(عَن سُفْيَان عَن عبد الله) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي أَعنِي: بِلَفْظ: (عَن عبد الله) وَوَقع فِي رِوَايَة الآخرين، قَالَ:(حَدثنَا سُفْيَان قَالَ عبد الله بن أبي بكر) ، أَي: قَالَ: قَالَ عبد الله، وَجَرت عَادَتهم بِحَذْف إِحْدَاهمَا من الْخط. قَوْله:(يحدث أَبَاهُ) الضَّمِير فِي قَوْله: (أَبَاهُ) يعود على عبد الله بن أبي بكر، لَا على: عباد، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَوضِع: أَبَاهُ، أرَاهُ أَي: أَظُنهُ، ثمَّ قَالَ: وَفِي بَعْضهَا: أَبَاهُ أَي: أَبَا عبد الله، يَعْنِي: أَبَا بكر وَقَالَ بَعضهم: وَلم أر فِي شَيْء من الرِّوَايَات الَّتِي اتَّصَلت لنا. انْتهى. قلت: لَا يسْتَلْزم عدم رُؤْيَته لذَلِك عدم رُؤْيَة غَيره، وَالنُّسْخَة الَّتِي اطلع عَلَيْهَا الْكرْمَانِي أوضح وَأظْهر.
وَهَذَا الحَدِيث يشْتَمل على أَحْكَام: الأول: فِيهِ خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّحرَاء للاستسقاء لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّوَاضُع، وأوسع للنَّاس، وَذكر ابْن حبَان: كَانَ خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمصلى للاستسقاء فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ من الْهِجْرَة. الثَّانِي: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الاسْتِسْقَاء. الثَّالِث: فِيهِ اسْتِقْبَال الْقبْلَة وتحويل الرِّدَاء، وَقد ذكرنَا حكمه مستقصىً. الرَّابِع: فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى رَكْعَتَيْنِ.
وَيحْتَاج فِي بَيَان هَذَا إِلَى أُمُور:
الأول: فِيهِ الدّلَالَة على أَن الْخطْبَة فِيهِ قبل الصَّلَاة، وَصرح يحيى بن سعيد فِي بَاب كَيفَ يحول ظَهره، ثمَّ صلى لنا رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ مُقْتَضى حَدِيث عَائِشَة الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) عَنْهَا، قَالَت:(شكى النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُحُوط الْمَطَر، فَأمر بمنبر فَوضع لَهُ فِي الْمصلى، ووعد النَّاس يَوْمًا يخرجُون فِيهِ، قَالَت عَائِشَة: فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بدا حَاجِب الشَّمْس، فَقعدَ على الْمِنْبَر، فَكبر وَحمد الله، ثمَّ قَالَ: إِنَّكُم شكوتم جَدب دِيَاركُمْ واستئخار الْمَطَر عَن إبان زَمَانه عَلَيْكُم، وَقد أَمركُم الله تَعَالَى أَن تَدعُوهُ، ووعدكم أَن الله يستجيب لكم، ثمَّ قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، الرَّحْمَن الرَّحِيم، مَالك يَوْم الدّين، لَا إِلَه إلاّ الله يفعل مَا يُرِيد، اللَّهُمَّ أَنْت الله لَا إِلَه إلاّ أَنْت الْغَنِيّ وَنحن الْفُقَرَاء، أنزل علينا الْغَيْث، وَاجعَل مَا أنزلت لنا قُوَّة وبلاغا إِلَى حِين، ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَلم يزل فِي الرّفْع حَتَّى بدا بَيَاض إبطَيْهِ، ثمَّ حول إِلَى النَّاس ظَهره وقلب أَو حول رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ، ثمَّ أقبل على النَّاس وَنزل فصلى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ الله سَحَابَة فَرعدَت وَبَرقَتْ ثمَّ أمْطرت بِإِذن الله تَعَالَى، فَلم يَأْتِ مَسْجده حَتَّى سَالَتْ السُّيُول، فَلَمَّا رأى سُرْعَتهمْ إِلَى الْكن ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، فَقَالَ: أشهد أَن الله على كل شَيْء قدير وَإِنِّي عبد الله وَرَسُوله) . وَالْمَفْهُوم من هَذَا الحَدِيث أَن الْخطْبَة قبل الصَّلَاة، وَلَكِن وَقع عِنْد أَحْمد فِي حَدِيث عبد الله بن زيد التَّصْرِيح بِأَنَّهُ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة، وَالْجمع بَينهمَا أَنه مَحْمُول على الْجَوَاز، وَالْمُسْتَحب تَقْدِيم الصَّلَاة لأحاديث أخر.
الْأَمر الثَّانِي: أَن صَلَاة الاسْتِسْقَاء رَكْعَتَانِ، وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس حَدِيثا. وَفِيه:(وَلم يخْطب خطبتكم هَذِه وَلَكِن لم يزل فِي الدُّعَاء والتضرع وَالتَّكْبِير، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيد) . وَقَالَ الْخطابِيّ: وَفِيه دلَالَة على أَنه يكبر كَمَا يكبر فِي الْعِيدَيْنِ، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَمَكْحُول وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ، وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد، وَذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَنه يكبر فيهمَا كَسَائِر الصَّلَوَات تَكْبِيرَة وَاحِدَة للافتتاح، وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأبي ثَوْر وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَغَيرهمَا من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَقَالَ دَاوُد: إِن شَاءَ كبر كَمَا يكبر فِي الْعِيدَيْنِ، وَإِن شَاءَ كبر تَكْبِيرَة وَاحِدَة للاستفتاح كَسَائِر الصَّلَوَات. وَالْجَوَاب عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن المُرَاد من قَوْله: (كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ) ، يَعْنِي فِي الْعدَد والجهر بِالْقِرَاءَةِ، وَفِي كَون الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْخطْبَة. فَإِن قلت: قد روى الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَالدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن) : عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أَبِيه (عَن طَلْحَة، قَالَ: أَرْسلنِي مَرْوَان إِلَى ابْن عَبَّاس اسأله عَن سنة الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: سنة الاسْتِسْقَاء سنة الصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ إلاّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلب رِدَاءَهُ فَجعل يَمِينه على يسَاره ويساره على يَمِينه، وَصلى رَكْعَتَيْنِ كبر فِي الأولى سبع تَكْبِيرَات، وَقَرَأَ بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَة: هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية، وَكبر فِيهَا خمس تَكْبِيرَات) . قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد