الْأَمر الْخَامِس: أَنه يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء، لما روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث (عبد الله بن زيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ جهر بِالْقِرَاءَةِ فيهمَا. .) الحَدِيث. وَعَن أبي يُوسُف: أحسن مَا سمعنَا فِيهِ أَن يُصَلِّي الإِمَام رَكْعَتَيْنِ جاهرا بِالْقِرَاءَةِ مُسْتَقْبلا بِوَجْهِهِ قَائِما على الأَرْض دون الْمِنْبَر، مُتكئا على قَوس يخْطب بعد الصَّلَاة خطبتين، وَعَن أبي يُوسُف: خطْبَة وَاحِدَة، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا الدُّعَاء فَلَا يقطعهَا بالجلسة، وَعند مُحَمَّد: يخْطب خطبتين يفصل بَينهمَا بجلسة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي.
ثمَّ إعلم أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: لَيْسَ فِي الاسْتِسْقَاء صَلَاة مسنونة فِي جمَاعَة، فَإِن صلى النَّاس وحدانا جَازَ، إِنَّمَا الاسْتِسْقَاء الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار، لقَوْله تَعَالَى:{اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا}(نوح: ٠١ و ١١) . علق نزُول الْغَيْث بالاستغفار لَا بِالصَّلَاةِ، فَكَأَن الأَصْل فِيهِ الدُّعَاء والتضرع دون الصَّلَاة، وَيشْهد لذَلِك أَحَادِيث: مِنْهَا: الحَدِيث الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ الصَّلَاة. وَمِنْهَا: حَدِيث أنس، على مَا يَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي. وَمِنْهَا: حَدِيث كَعْب بن مرّة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة شُرَحْبِيل بن السمط، أَنه قَالَ لكعب: يَا كَعْب بن مرّة (حدِّثنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحْذَرْ! قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، استسق الله، عز وَجل، فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إسقنا غيثا مريعا طبقًا عَاجلا غير رائث، نَافِعًا غير ضار، قَالَ: فَاجْتمعُوا حَتَّى أجِيبُوا. قَالَ: فاتوه فشكوا إِلَيْهِ الْمَطَر، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، تهدمت الْبيُوت، فَقَالَ رَسُول الله: اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا. قَالَ: فَجعل السَّحَاب يتقطع يَمِينا وَشمَالًا) . وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة يزِيد الْفَقِير (عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أَتَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بواكٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نَافِعًا غير ضار، عَاجلا غير آجل، قَالَ: فأطبقت عَلَيْهِم السَّمَاء) ، انْتهى. قَوْله:(بواك) ، جمع باكية. وَقَالَ الْخطابِيّ: بواكي، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف، قَالَ: مَعْنَاهُ التحامل. قَوْله:(مريعا) ، بِفَتْح